“وعندك واحد شاي كشري للأستاذ وصَلَّحُه”
كثيرا ما نسمع هذا النداء الأثير لدى عمال المقاهي في كل مكان، النداء الذي تستطيع تمييزه من بين عشرات النداءات، وإذا ما جلست في أي مقهى فأن أول ما ستسمعه “تشرب إيه يا بيه؟”، أما إذا كنت زبونا مقيما فستجد طلبك المعتاد على المائدة حتى قبل أن تجلس.
عم حنفي، والمعلم أبو حسن، وأسطى رضا اتفقوا جميعا بأن أكثر المشروبات بيعا وأسهلها في الإعداد هو الشاي “فالبراد على النار، والسكر والشاي في الأكواب” وانتهينا، ومرور سريع على أي من محلات الكرك يكشف هذه الحقيقة تماما.
فلا غرابة إذن مما قام به المصريين من تغيير أغنية أم كلثوم الشهيرة والتي تغني فيها «إزاي إزاي إزاي أوصفلك ياحبيبي إزاي، قبل ما أحبك كنت إزاي» إلى «الشاي الشاي الشاي أوصفلك يا حبيبي الشاي، قبل ما تفطر اشرب شاي»
الشاي أشهر مشروبات العالم وأكثرها متعة، الشاي وهو المشروب الذي يحظى بمكانة خاصة عند مختلف الشعوب والحضارات عبر التاريخ يلخص لنا دورة الاقتصاد، الاقتصاد الذي لا يخلو من أن يكون قائما على أحد القطاعات التالية: الزراعة، الصناعة بشقيها الثقيلة والخفيفة، النقل والمواصلات، التجارة، السياحة، قطاع الخدمات واللوجستيات
تبدأ القصة هناك في الصين والهند وسيلان، حيث يزرع الشاي وهو نبتة ذات أوراق خضراء على نطاق واسع، ليشكل جزءا من الدخل القومي، فتقوم العاملات بداية بجمع و قطف أوراق الشاي في فصلي الربيع والصيف، ثم تتم عملية التذبيل الأولى بغرض خفض الرطوبة لتسهيل تداول الأوراق في المراحل التالية، وبعد ذلك تبدأ مرحلة اللف ثم مرحلة التخمر بمختلف أنواعها للحصول على أنواع الشاي المختلفة كالشاي الأخضر والأسود، لتنتهي دورة صناعة الشاي بعد ذلك بالتجفيف النهائي.
ويعتمد المزارعون والعاملون في صناعة الشاي على الآلات والمعدات التي يتم استيرادها من اليابان وأمريكا وأوروبا في حراثة الأرض وسقيها، كما يعتمدون عليها في عمليات التذبيل واللف الآلي والتخمير في أفران عملاقة تحت درجات حرارة مرتفعة والتجفيف والتغليف الالي، وصناعة هذه الالات والمعدات هي ما يطلق عليه الصناعات الثقيلة.
كانت الصين أول من زرع الشاي واستخدمه، وتم تصدير أول شحنة من الشاي إلى هولندا في القرن السابع عشر، وكان حينها من المواد الباهظةً ومع الوقت توسع نطاق استخدامه، ليتابع رحلته الطويلة وينتقل من هولندا الى إنكلترا و ألمانيا، ولا يمضي سبعون عاماً حتى يقرر الإنجليز تأسيس شركة رائدة في تجارة الشاي وهي شركة الهند الشرقية، ولفترة طويلة من الزمن إشتهر الشاي الأسود المستورد من آسيا باسم “الشاي الروسي”, إذ كانت القوافل تنقله من روسيا إلى أوروبا، وشهدت صناعة الشاي إزدهاراً مهماً في القرن التاسع عشر مع مصنع الشاي الإنجليزي المعروف توماس ليبتون الذي تفنن في مزج أنواع الشاي وطرحه في الأسواق في علب جاهزة.
وأصبح الشاي تجارة رائجة يتم تداولها عبر المحيطات وتنتقل من بلد إلى بلد بالسفينة والطائرة والقطار والسيارة وكل وسائل النقل الأخرى، ليكتب الشاي فصلا جديدا في رحلته، قبل أن يحط رحاله أخيرا في إبريق من الفضة أو النحاس المذهب ليتم تقديمه مع شيء من “البرستيج” لأحد السياح في أحد الفنادق الفخمة، أو ينتهي به المطاف شاياً عادياً تشربه أنت في مقهى خان الخليلي، أو تشربه والدتك بعد شرائه من أحد محال التجزئة العاملة في قطاع الخدمات.
وهاهي دبي ورغم أنها ليست منتجاً أو مستهلكاً رئيسياً للشاي تنشئ مركزا لوجستيا متكاملا وهو “مركز دبي لتجارة الشاي”، ليلبي كافة احتياجات ومتطلبات صناعة وتجارة الشاي من التخزين والتذوق والخلط والتعليب، كما يتيح فرصاً لتعزيز التواصل بين جميع الأطراف المعنية، ويقدم للتجار فرصة الحصول على التمويل اللازم مما يسهل عمليات البيع للمشترين.
أين نحن من ذلك في دوامة الأزمة الاقتصادية؟ وأين هي دبي تحديدا؟ والى أين سائرة؟ وكيف الخلاص؟
للحديث بقية……….