قبل عدة أعوام ابتكر أحد المدراء طريقة جديدة في التعامل مع تأخر الموظفين عن مواعيد الدوام، حيث قام باستحداث نظام يقوم على فرض غرامات مالية مقابل كل دقيقة تأخير أو غياب، أياً كان السبب، ولا يشفع للموظف إن قام بالتعويض عن فترات الغياب في وقت آخر، وعلى الموظف الذي غاب لسبب طارئ أن يتقدم بطلب مصحوباً بكافة الاثباتات والأدلة وأن يخوض حرباً لعدة شهور مع إدارة الشؤون المالية والإدارية لاثبات الحالة الاضطرارية لأن الأصل عند هذه الشركة هو الإدانة وليس العكس، وقد وجد له القانونيين كل المسوغات القانونية والشرعية لتصرفه اللاأخلاقي.
وذراً للرماد في العيون قام أحد دهاة القانون -وبايعاز من إدارة الشركة- بادخال تعديل بسيط على الإجراء الجديد ينص على أن كافة الغرامات سيتم إيداعها في صندوق خيري لدعم ومساندة الموظفين وعائلاتهم عند الضرورة أو الحاجة، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يرضخون للقانون الجديد ويتقبلونه على مضض.
مضت الأيام، وتعرض الكثير من الموظفين لحالات من العجز والمرض، ومع ذلك لم يحصلوا على شيء من ايرادات ذلك الصندوق، وعند السؤال والاستفسار تبين أن إدارة الشركة قامت بتوزيع العائد الأكبر من ايرادات الصندوق على المعوزين من موظفي إدارة الموارد البشرية والإدارة العليا، رغم أن نسبة الموظفين في هذه الأقسام لا تتعدى ال10%، والأدهى من ذلك أن تتباهى هذه الشركة في وسائل الإعلام المحلية والاقليمية بانجازات الصندوق وكيف ساهم في مساعدة موظفي الإدارة العليا دون غيرهم، رغم أن أغلب ايرادات الصندوق جاءت من موظفي الأقسام الأخرى
_____________________________________________________
ما ورد أعلاه هو بالضبط ما قام به بنك دبي الاسلامي حين أعلن عبر مؤسسة دبي الاسلامي الإنسانية عن تبرعها بمبلغ 10 ملايين درهم لنزلاء المؤسسات العقابية من "المواطنين" فقط، وكأن أبناء الجنسيات الأخرى لا يستحقون تسديد مديونياتهم.
المخالفة كانت عبر الفتوى -سيئة الذكر-، والتي تنص على الزام المدين بالتبرع في حال تخلفه عن السداد، وهي الفتوى التي تسرع أصحاب الفضيلة والعلماء باطلاقها حفاظاً على حقوق المؤسسة المالية ومنعاً لمماطلة العملاء، دون التأكد من قابلية المؤسسات المالية لتطبيقها بشكل أخلاقي، بحيث لا يتم الإلزام بالتبرع الا عند التأكد من مماطلة العميل، وليس العكس عبر افتراض أن المماطلة هي الأصل، وكأن جميع العملاء عبارة عن مماطلين مع سبق الاصرار والترصد، إضافة إلى افتقار الفتوى إلى عنصر النية الذي هو أصل في عقود الهبة كالصدقة وغيرها.
الجنحة جاءت عبر التطبيق العملي لهذه الفتوى، فعند النظر إلى المقاصد والمآلات بالنسبة للعميل، فلا أجد أي فرق يذكر بين البنوك الربوية والبنوك الاسلامية، فالعميل المتخلف عن السداد -أياً كان السبب- سيغرق في دوامة الديون التي لا فكاك منها، وسيبقى تحت رحمة البنوك، إضافة إلى أن الأصل في الأفراد والمجتمعات أن التخلف عن السداد هو الحالة الاستثنائية، وأن على البنك إثبات المماطلة قبل فرض الغرامات وليس العكس، وأتمنى من القراء أن يطلعوني ولو على حالة واحدة حقيقية عن رجل تخلف عن السداد وقام البنك الاسلامي بإعفائه من الغرامات للاعسار، لعلي أحسن الظن مرة أخرى في بنوكنا الاسلامية.
أما الجريمة فكانت عبر حصر التبرعات في فئة معينة من الناس، وهو الأمر وإن كان محموداً في الظاهر، الا أنه مذموم في الكثير من جوانبه، فموارد الصندوق -أياً كان مصدرها- جاءت من مختلف فئات المجتمع، وبالتالي فالبنك والمؤسسة الخيرية التابعة لها مدينة لهذا المجتمع بكافة فئاته دون تمييز، ولكم أن تتخيلوا هيئة إغاثية في أفريقيا تقوم بتوزيع الأغذية والبطانيات على أبناء قبيلة واحدة دون غيرهم لتعرفوا حجم الجريمة التي تطعن في أخلاقية البنك ومؤسسته الخيرية.
مجرد رأي نسعى من خلاله إلى تصحيح المسيرة، مع تأكيدنا على الجهود المبذولة من بنوكنا المحلية في دفع مسيرة البنوك الإسلامية إلى الأمام، دون إغفال دور مؤسسة دبي الإسلامي الإنسانية في دعم العمل الخيري وجهود الهيئات والمنظمات الخيرية داخل وخارج الدولة.