أرسل إلي الصديق العزيز، والأخ
الحبيب ماهر سبيناتي مقالة باللغة الانجليزية بعنوان:
How to Criticize — and Be Loved for it
وهي مقالة تضع قواعد رئيسية عن كيفية انتقاد الآخرين
ونصحهم، مع الاحتفاظ بحبهم وتقديرهم لنا وللنقد، ومع استمرار في قراءة المقال وجدت
أن ديننا الإسلامي العظيم قد سبق في تقرير هذه القواعد والتوجيهات، فجميع ما ذكرته
كاتبة المقال –بلا استثناء- من آداب النقد والنصيحة وعددها ثمانية قواعد رئيسية، قد
وردت بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن التوجيهات النبوية أو القرآنية:
وسأذكر وأترجم أدناه القواعد الثمانية التي ذكرتها كاتبة
المقال كعنوان مختصر، ثم أعقّب عليها بالآية القرآنية أو الحديث النبوي الشريف
الذي يحمل ذات المعنى:
أولاً: كن مهذباً
وهو توجيه رباني عام في الدعوة والنصيحة، قال تعالى:
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة"
وفي آية أخرى، يخاطب الله رسوله الكريم –صلى الله عليه
وسلم-، عن الأسلوب المناسب للتعامل مع أصحابه:
"فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً
غليظ القلب لانفضوا من حولك"
ثانيا: الرفق واللين
وقد نبه الرسول المصطفى على هذا المعنى بقوله صلى الله عليه
وسلم:
"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا
ينزع من شيء إلا شانه"
وكذلك في الحديث المشهور الذي رواه البخاري:
"إن الله يحب الرفق في الأمر كله"
ثالثاً: التركيز على الفعل، لا على الأشخاص،
أي انتقاد الأفعال دون الأشخاص
وقد تجلّى هذا المعنى، وهذا الأسلوب في موقف نبي الرحمة –صلى
الله عليه وسلم- في تعامله مع الأعرابي الذي بال في المسجد، كما جاء عن أنس بن
مالك في الحديث الذي رواه مسلم؛ قال:
"بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ
لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا
الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ
بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ"
ومن القصص الواضحة في هذا أيضاً ما حدث لمعاوية بن الحكم
السلمي رضي الله عنه لما جاء إلى المدينة من البادية ولم يكن يدري عن تحريم الكلام
في الصلاة قال:
"بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ
فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ
وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ
بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي
لَكِنِّي سَكَتُّ (أي أوشكت أن أردّ عليهم لكني تمالكت نفسي ولزمت السكوت) فَلَمَّا
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ
وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا
مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي (أي زجرني وعبس في وجهي) وَلا ضَرَبَنِي وَلا
شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ
النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءةُ الْقُرْآنِ"
والحديث رواه مسلم.
وقد ظهر جليّاً وواضحاً في كلا القصتين أن الرسول صلى الله
عليه وسلم لم يوجه النقد إلى الأشخاص، وانما كان توجيهه موجه إلى الفعل مباشرة.
رابعاً: أن يسبق النقد أو يصاحبه مدح
وقد نقلت لنا السيرة النبوية كيف مارس الرسول القدوة -صلى
الله عليه وسلم- هذا الأسلوب مع صحابته، ومثال ذلك قوله لعمر بن الخطاب:
"يا عمر إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر،
فتؤذي الضعيف"
خامساً:
أن تكون النصيحة أو النقد بصيغة الاقتراح وطرح البديل
وقد كان عليه
الصلاة والسلام كثيراً ما يقوم بذلك ففي حديث جويرية:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين
صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي
فارقتك عليها قالت نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد
قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله
وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"
وقد ورد مثل ذلك
كثيراً في أحدايث الربا، ومنها
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بتمر ريان
وكان تمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلا فيه يبس فقال أنى لكم هذا قالوا
ابتعناه صاعا بصاعين من تمرنا فقال لا تفعل فإن هذا
لا يصح ولكن بع تمرك واشتر من هذا حاجتك"
سادساً:
أن تكون النصيحة بالسر
وقد عبّر القرآن عن هذا المعنى بوضوح بقوله تعالى :
"وعظهم، وقل لهم في أنفسهم قولاً
بليغاً"
أي انصحهم فيما بينك وبينهم، وقد فسّر العلماء قوله تعالى "في أنفسهم" بأنها المناصحة بالسر
والخلاء.
سابعاً:
ألا يكون النقد موجهاً بشكل مباشر، وإنما باستخدام طرف ثالث وهمي
وهو من الأساليب الواضحة جداً في سيرة الحبيب المصطفى الذي كان دائماً يخاطب أصحابه
بقوله:
"ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا"
ثامناً:
نقد الذات، والاعتراف بارتكاب أخطاء مشابهة قبل توجيه النقد:
ويكفينا في ذلك
قوله تعالى:
"وما أبرئ نفسي"
"وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه"
"وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه"
تدوينة مفيدة ومكتوبة بأسلوب سلس ..شكرا لك اخى الكريم
ردحذف