الخميس، 2 أكتوبر 2008

من بين الأوراق "هلوسات"

أوراق أوراق أوراق، أوراق في كل مكان، أينما جلت بناظري وجدت أوراقا، سيارتي أرشيف للوثائق ينافس أرشيفاتنا المحلية، فاتورة محشوة في مطفأة السجائر، إيصالات قبض في الجرار على يمين السائق، إعلان في جيب الباب الأيمن وجريدة في الأيسر، قصاصات ورق وأرقام هواتف متنوعة في الفجوة الأمامية الصغيرة، دفتر ملاحظات في الBox  الأوسط الصغير مع عدد لا يستهان به منBusiness cards ، خرابيط منوعة من كوبونات وقسائم وغيرها في الجيب الخلفي للكرسي، أما غرفة مكتبي فهي أشبه بمركز للوثائق والبحوث، ثمان جرارات ومكتب ومنضدتين لا تطمئن نفسي حتى تمتلئ بالأوراق بكل أنواعها، تدخل المكتب فتحمد الله بأنك في عملك الحالي فهناك دوما من هو أكثر انشغالا منك، تشاهد أكواما من الأوراق تظن معها أني لا أملك وقتا لشرب الشاي أو طقطقة أصابعي ناهيك عن التحدث إليك، فتنصرف داعيا الله أن يعينني على ما أنا فيه، وهناك في منزلي - عفوا مكتبة الكونجرس العربية - الطامة الكبرى، كتب قرأتها وأخرى لم أقرأها، كتب سأقرؤها حتما يوما ما وأخرى أعرف أني لن أقرأها أبدا ومع ذلك ما زلت محتفظا بها!!! كتب أنتظر قراءتها منذ سنوات ولكنها ما زالت على الرف (حب التملك)، جرائد قديمة وجديدة ومستقبلية، مجلات منوعة، قصاصات من الجرائد والمجلات، مقالات ودراسات، أوراق انترنتية، بحوث قديمة، دفاتر دراسية وجامعية، رسائل رسمية وشخصية، فواتير وإيصالات دفع، إعلانات، كتالوجات، كتيبات لكمبيوتر “صخر” وجهاز الألعاب “فاميلي”، أوراق مبعثرة لا تصنيف لها، لا أعرف إلى متى سأبقى أنتظر اليوم الذي قد أستفيد به من كل هذا، ومتى سأقتنع بأنه لن يأتي أبدا، لم أمتلك الجرأة الكافية بعد للتخلص من كل هذا، ولا حتى من نصفه أو ربعه أو عشر معشاره، قبل فترة احترقت إحدى غرف منزلنا، فنظرت إلى النصف المملوء واستبشرت خيرا وقلت على الأقل سأتخلص من خزعبلاتي “بالإكراه”، احترق كل شيء من أثاث وسجاد وثياب وإكسسوارات ووو…..الخ إلا الأوراق والكتب (مع أنها الأسرع اشتعالا)، أبت النار أن تحرقها وتتلفها وكأنها عرفت بقيمتها التاريخية


 وها أنا ذا أقلب بين أوراقي – كالعادة – بحثا عن اللاشيء، فوقعت في يدي عدة رسائل قد دأب صاحبي “المهلوس” على كتابتها بانتظام منذ سنين مضت، كتبها بمداد الصداقة والمودة، والأخوة والمحبة، قلبتها بين يدي وأعدت قراءتها المرة تلو الأخرى، فوجدت فيها مادة أدبية تستحق معاملة أفضل من شباك العنكبوت في درج مكتبي، وكعادة العظماء دوما، لا يعرفهم الناس ويقدرون إبداعهم إلا بعد موتهم، فالفنان الهولندي فان جوخ الذي عانى في حياته من عوز وفقر شديدين وفشل في بيع أي عمل فني في حياته بيعت إحدى لوحاته وهي بورتيريه للدكتور “جاشيه” بعد وفاته ب 75 مليون دولار، وتقدر قيمة إنتاجه الفني بأكثر من بليوني دولار، وبيكاسو الذي بيعت لوحته “الصبي والغليون” ب 104 مليون دولار وعنده أكثر من  140 لوحة تزيد قيمة الواحدة منها على الستة ملايين دولار كان في فصل الشتاء يجعل من بعض لوحاته الفنية حطباً يشعله ليتدفأ عليه ويطرد به خبث البرد القارص، وأما الموسيقار الأُعجوبــة مُوزارت فقد مات وهو في الخامسة والثلاثين بداء الصدر نتيجة سوء التغذية والبرد ولم تُكلِّف جنازته سوى ثلاث دولارات، ورسم رافاييل الإيطالي لوحة مقابل وجبة طعام لم تُكلِّف سوى ربع دولار وهي اللوحة نفسها التي بِيعت بملايين الدولارات، وهناك بيتهوفــن الذي عاش فقيراً ومات فقيراً وانتقده الجميع لسوء خُلقه وهيئته، وهناك أكثر من عشرين فنانا ماتوا من الفقر والعوز في حين يملكون حاليا لوحات تزيد قيمة الواحدة منها عن المليون دولار، حينها قررت أن أكسر القاعدة وألمحت لصاحبي بنشر “هلوساته” قبل موته، لكنه أبى وأصر أن يحذو حذو العظماء والمبدعين، الرموز التي تكتب حياتها يوم موتها، وفي هذه اللحظة وهذه اللحظة بالذات جاءني شيطان الأدب، شيطان الكتابة، شيطان النثر، شيطان الصحافة، سمه ما شئت، وأوحى إلي أن أسرق هذه المقطوعات الأدبية وأنسبها لنفسي، وزين لي الأمر على انه خدمة لصاحبي، وهدية للأدب الجميل، ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة!!!!!!!!!! 


“هلوسات” هي مجموعة رسائل كتبها صاحبي وصديقي ورفيق دربي “ليث أبو جليل”، سأنشرها تباعا وأنسبها لنفسي، ولكني سأبقي على اسمها الأصلي “هلوسات” وهو الاسم الذي اختاره “أبو فارس” لرسائله، وذلك إراحة لضميري –الميت- على سرقتي الأدبية، وتخفيفا لمصاب كاتبها.