الاثنين، 18 يونيو 2012

أصحاب النار، ومصيرهم



استمعت إلى محاضرة للدكتور عدنان إبراهيم حول فناء النار واسمها (نار جهنّم فانية أم باقية) وقد أثارت الخطبة انتباهي لما فيها من الطرح العلمي المُقنع، ولأنها تعرّضت لأمر كان من المسلّمات عندي، فإذا بي أجد أن الكثيرين قد تحدّثوا في المسألة وكان لهم آراء مخالفة.


فأشار إلي أحد طلبة العلم بالاطلاع على كتاب للدكتور سعيد عبداللطيف فودة، يناقش فيه المسألة من كافة جوانبها، فيبيّن رأي أهل السنّة في المسألة ويناقش باقي الآراء، ولا أنكر أن الكتاب قد أضاف لي الكثير، إلا أنه لم يروي عطشي.


تميز الكتاب بعرضه لكافة الآراء الواردة في أصحاب النار، وفناء النار، وقد رتّب الكاتب كتابه حسب الفرق الإسلامية، ثم عرض رأي كل فرقة، فكان كتابه كتاباً في الفرق الإسلامية أكثر منه في العقائد.


يُحسب للكاتب أنه  جمع كل ما ورد في المسألة في كتاب واحد، فيسّر على الباحثين ذلك، إلا أن ما يعيب الكتاب بشكل كبير، خروجه عن النص وتطرّقه لمواضيع لا علاقة لها بموضوع الكتاب، كتهجمه بالنقد والتجريح على شخوص بعض الرواة للرد على آرائهم، وهو ما يتنافي مع الرد العلمي السليم.


كما أنه ركّز بشكل كبير -لا داعي له- في إثبات أن ابن تيمية وابن القيّم كان لهما رأي مخالف لأهل السنة في مسألة فناء النّار، دون أن يناقشهما في هذا الرأي، وكأن الهدف من الكتاب إثبات وجود القول فقط، إضافة إلى تعرّضه لمناقشة شخص ابن تيمية وعقيدته، وليس مناقشة رأيه في مسألة فناء النار، وقد استغربت تخصيصه لعشرات الصفحات فقط لإثبات أن ابن تيمية قال بفناء النار!!!!!!


وفي رأيي أن ترتيب الكتاب لم يكن موفقاً، فالكتاب يندرج ضمن كتب العقائد، ولذا كان من الأولى أن يرتب الكتاب بناء على الآراء في المسألة، ثم يعرض كل رأي مع أدلته والقائلين به من العلماء والفرق الإسلامية، والرد عليها، بدلاً من التشتيت الحاصل في الكتاب.


نجح الكاتب في حشد الأقوال والآراء الواردة في مسألة فناء النار، ولكنه فشل في مناقشتها والرد عليها سواءً بالنقل أو العقل، ومن كان يتبنى أياً من هذه الآراء فإن الكتاب لن يساعده في تغيير قناعاته، وقد غلب على الكاتب تمسّكه برأيه دون محاولة مناقشة الآراء الأخرى بطريقة علمية منهجية.


الجمعة، 8 يونيو 2012

فرعون سوريا






أتابع مثلي مثل غيري أحداث الثورة السورية منذ انطلاقتها قبل أكثر من 15 شهراً، وكانت مشاعرنا خلالها تصعد وتهبط بحسب قوة الأحداث وزخمها، الا أننا لا نستطيع أن ننكر أن بعض الأحداث تُحفر في الذاكرة بتفاصيلها المرعبة والموحشة، ولا يستطيع المرء الا أن يتوقف أمامها طويلاً.



ومع استمرار نزيف الدماء وبدء نزوح الأهالي الى البلدان المجاورة، بدأت القصص تتوالى وبدأ شهود العيان برواية تفاصيل مرعبة عما عانوه على أيدي النظام والشبيحة من قتل وتعذيب وتهجير وإذلال، ثم تواترت الأنباء عن حوادث متعددة لاغتصاب حرائر الشام، وهنا كانت لي وقفة –وقفة طويلة- كدت فيها أن أفقد إيماني بكل شيء، فعلى مرّ الأزمان كان القتل والتعذيب والتهجير جزءاً من مسيرة التاريخ في صراع الحق والباطل، الا أن جريمة الاغتصاب هي جريمة تفرّد بها النظام العلويّ الكافر، وقد أرهقني التفكير في هذه حال هذه الفتاة وما مرت به، وما قد تمر به، وبدأ الشك يتسلل إلى نفسي، وبدأ إيماني يتزعزع، وتذكرت خطاب إبراهيم عليه السلام مع ربه: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، فأنا مؤمن وموقِن بعدل الله وحكمته، ولكني بحاجة شديدة لأن يطمئن قلبي، قبل أن ينجح الشيطان في زعزعة ما بقي لنا من إيمان، فتوجهت إلى أحد أبناء الشام المشهود لهم بالصلاح والتقوى، فحاول جاهداً أن يُسمعني كلماتٍ في الابتلاء الا أنها لم تشفي غليلي ولم تُسكِت عطشي.



فعدت إلى مناجاة الله بقراءة كتابه الكريم، فأتلو آياته لأعيش في ظلالها، فمرّت بي قصة موسى-عليه السلام- مع فرعون مصر، وهي القصة التي لم تحظى قصة غيرها في القرآن الكريم بهذا الكمّ من الآيات والتفصيل، قرأتها وأنا أستحضر تفاصيل ومشاهد الثورة السورية في ذهني، فوجدت تشابهاً عجيباً يكاد يصل حد التطابق في الكثير من التفاصيل، فتوقفت عندها، وأعدت القراءة، فأحسست وكأني أقرأها لأول مرة، قرأتها كما لم أقرأها من قبل، وازددت إيماناً بإعجاز هذا القرآن، وأنه صالحٌ لكل زمان ومكان، شعرت وكأن الله يخاطبني بشكل مباشر، فيجيب عن تساؤلاتي ويزيل الحيرة والشك من نفسي فيطمئن قلبي، فهممت بالكتابة، الا أن عدم اكتمال الصورة منعني من ذلك، فلم يكن ينقص الصورة الكاملة الا ذبح الأطفال، ولكن اليوم وبعد مجزرة أطفال الحولة، التي  شكّلت علامة فارقة في مسار الثورة السورية، كما كان ذبح الأطفال علامة فارقة في قصة فرعون كان لابدّ من التدوين، فعُدت وتتبّعت قصة موسى وفرعون في القرآن الكريم في كل مواضعها فكانت لي هذه الوقفات.





"فرعون" قبل أن يكون حاكماً لمصر، فهو رمز للظلم والكفر، والا كيف نفسّر تجاهل القرآن لذكر اسمه الحقيقي رغم اهتمام القرآن بذكر أدق تفاصيل قصّته، ولذا فإن القرآن الكريم حين يخاطبنا بقصته، فإنه يخبرنا بقصة الظلم والكفر والجحود، وفرعون سوريا اليوم لا يختلف عن فرعون مصر بالأمس، وسألخص وقفاتي مع قصة فرعون في ظلال الثورة السورية لأقف فيها على مظاهر التشابه بين الأمس واليوم من خلال:

1.    مظاهر تعامل أهل الباطل مع أهل الحق.
2.    مظاهر تعامل أهل الباطل مع بني قومهم.
3.    صفات أهل الباطل.
4.    صفات أهل الحق خلال مراحل الصراع.
5.    المآل، والنهاية الحتمية.



أولاً:
من عجيب أمر هذا القرآن أنه وصف فرعون مصر وما يقوم به تجاه بني إسرائيل وكأنه يصف لنا ما يحدث اليوم على أرض الشام فهاهو بشار وزمرته:



·        يذبحون الأطفال بحزّ رقابهم (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ)

·        يقتلونهم بطرق أخرى مختلفة (يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ)

·        يستحيون النساء باغتصابهم وإذلالهم (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ)

·        يستخدمون الأطفال والنساء للضغط على معارضيهم (فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ)

·        يمارسون الطائفية (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ)

·        التهديد والتخويف بالسجن (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)

·        يغتاظون من أهل الحق، ويحذرونهم (وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ)

·        يمارسون الكذب والتدليس في اتهام أهل الحق بشتى التهم ومنها:
ü     الثورة على مبادئ الآباء والأجداد والرغبة في الملك (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ)

ü     الجنون (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)

ü    مُغرّر بهم (مسحورون) ينفّذون أجندات خارجية (فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا)

ü     مخادعين ويمارسون التضليل على الشعب (سحرة) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ)

ü     يكذبون على الناس ويختلقون القصص (فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)

ü     الإفساد في الأرض (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ)

ü     أعدادهم قليلة، مجوعة صغيرة من المندسين (إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)



ثانياً:
لا يختلف تعامل بشار وزبانيته مع بني قومه من العلويين عن تعامل فرعون مع قومه، فهم:

·        لا يتوانون عن الكذب عليهم وصياغة مبررات ما يقومون به من ظلم وافتراء، فيحذرونهم ويوهمونهم بأن الثائرين سيطردونهم من بيوتهم وأرضيهم إذا ما انتصروا (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى)

·        يغرونهم بالمال والجاه (قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ، قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)

·        يتلبّسون لباس التقوى والحرص على الدين والأخلاق (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ)
·        إدعاء العلم والمعرفة، والحرص على المصلحة العامة (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ)

·        إدّعاء امتلاك القوّة والمال والجاه عند الشعور بالضعف (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)

·        الانتقاص من قيمة الطرف الآخر لإعلاء قيمة الذات (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ)

·        الاستخفاف بعقول القوم (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) وإضلالهم (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى)

·        كبت الحريات، ومنع الاختيار الحر (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ)

·        إيقاع أقصى العقوبات فيمن ترك دين قومه وانشق عنهم (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)


الا أن ذلك لم يمنع من وجود رجل مؤمن في آل فرعون الا أن الخوف منعه من إعلان ذلك، ومع ذلك بذل النصيحة لقومه (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ)، فهل نجد اليوم في العلويين أو أتباع النظام الأسدي من يتذكّر أن الأيام دول، وأن القوم وإن كانوا متمكّنين اليوم فإنهم إلى زوال غداً فيحسب لذلك (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ، فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) ويعظ قومه فيمن سبقوهم في تونس ومصر وليبيا (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ، وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ويحذّر قومه من أن يظنّوا أن سوريا غير (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً)


ثالثاً:
إن فرعون سوريا هو فرعون مصر، لا فرق بينهما، ومن يتأمل في الصفات التي أوردها القرآن الكريم عن فرعون مصر وأتباعه يجدها وكأنها تتحدث عن فرعون سوريا بشار وزبانيته:

·        الطغيان والفساد والظلم (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ)، (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)

·        الإجرام والظلم (فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين)، (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

·        التكبر والاستعلاء (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقَِّ)، (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ)

·        الاستهزاء بآيات الله (فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ)

·        الخوف على الملك والمصالح (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ)

·        إنكار وجود الله عزّ وجل والتشكيك في ذلك (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا)، (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ

·        التحدي السافر لقدرة الله تبارك وتعالى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)

·        وأخيراً الجريمة الكبرى: إدعاء الألوهية (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي)



رابعاً:
تتباين مشاعر أهل الحق ومواقفهم خلال مراحل الصراع بين الإحجام والإقدام، والشجاعة والخوف، واللين والشدّة -وفي كلٍّ خير-، وما أهل الشام وثوّارها بخيرٍ من موسى –عليه السلام- ومن معه، وهي معاني طبيعية تشمل:

·        الخوف من القتل (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ)

·        الخوف من التكذيب (إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ)

·        الخوف من الظفر بهم، والقبض عليهم (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)

·        الخوف والتوجّس بشكل عام (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى)

·        الخوف من الإنضمام للثورة (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ)

·        طلب النصرة والمعونة من السياسيين وأصحاب الكلمة (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي)



ووسط مشاعر الخوف هذه، والتي تجعل القوم في تردّد دائم، يراوحون أماكنهم، تأتي التطمينات الربانية، والفتوحات الإلهية أن أقدِموا ولا تتردّدوا (قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى)، (أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ)، مع ضرورة طلب الاستعانة بالله والصبر (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ) والثقة بنصر الله (إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)



ومع كل هذه التطمينات، وهذا الحماس، الا أن ذلك لا يمنع وجود نبرة إحباط ويأس في البعض من أهلينا ومن هم حولنا (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْل أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْد مَا جِئْتنَا) فوجب أن نأخذ على أيديهم ونعيد تذكيرهم بوعد الله، فنعيد التفاؤل إلى نفوسهم (قَال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون)


ومن صفات أهل الحق أيضاً، ثباتهم وعدم اكتراثهم بتهديدات أهل الباطل، وقد رأينا الكثير من المشاهد في أرض الشام مما نطقت به ألسنة المؤمنين سابقاً من قوم فرعون (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)


خامساً:

وبعد أن استعرضنا هذا الكم من الشواهد بين فرعون مصر وفرعون سوريا، فإن الشك لم يعُد يساورنا عن نهاية السفّاح بشّار ومن معه، فإذا تشابهت المقدّمات والأسباب والأحداث، فإن النتائج لابدّ وأن تكون متشابهة، فكيف إذا كان القرآن الكريم هو الشاهد وهو الدليل، ومن خلال القراءة المتأنية لنهاية فرعون، فإننا نستطيع أن نرسم ملامح نهاية فرعون سوريّا، وهي نهاية ذات مقدّمة وأبعادٍ ثلاثة:



فأمّا المقدّمة: فهي في حدوث ما يخشاه بشّار وزمرته من زوال ملكهم، وانتصار الثورة، وخطأ توقعاتهم بخصوص إجهاض الثورة (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)، (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)



وأما الأبعاد الثلاثة فهي:

البعد الأول: العاقبة في الدنيا:
1.    ستكون نهاية بشّار بقدرة الله وحده، ولن يكون لأحدٍ فيها منّة، فلن يقتل بشّار شابٌ متحمّس كما في ليبيا، ولن يهرُب ليعيش منفيّاً في بلدٍ ما، ولن يكون سجيناً أو رهينةً لمجلس عسكري أو حكومة انتقالية، ولكن سينتقم الله منه ويميته ميتة لن تخطر على بال أحدٍ منّا، ولن يموت وحده، ولكن سيموت مع جنده وزبانيته وهو في أوج غروره وقوّته ليعلم بأنّ الله حق وأنّ الله يمهل ولا يهمل (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)


2.    ستلحقهم اللعنة، وسيبقى الناّس يلعنونهم في الدنيا قبل الآخرة، وقد رأينا بأمّ أعيننا كيف أنّ العالم أجمع بدأ بلعنهم والتبرؤ منهم ومن أفعالهم القبيحة (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ)


3.    ستفنى قصورهم وأملاكهم، فتصبح هباء (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)


البعد الثاني: العاقبة في الآخرة:
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)


البعد الثالث: عاقبة أهل الحق:
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)