الأربعاء، 26 يونيو 2013

خمسون كتاباً لا تكفي



 



في بداية القرن الماضي (وفي منطقة الخليج تحديداً) كان تعلّم القراءة والكتابة واجتياز المرحلة الابتدائية أو الاعدادية شرفاً لا يقدّر بثمن، ومع حلول منتصف القرن كان حصول الواحد منّا على شهادة الثانوية كافياً لكي يتبوّأ منصب وزير أو مدير عام، وشيئاً فشيئاً ارتفع الحدّ الأدنى للتعليم اللازم للمشاركة في القيادة وتبوّء المناصب الإدارية العليا، لتشمل في نهاية القرن شهادتي الماجستير والدكتوراة على أقل تقدير
.

 

ويكفينا للدلالة على ذلك أن نستعرض المستوى التعليمي لقيادات الصف الأول السابقة من (الحرس القديم) في المؤسسات والوزارات (في منطقة الخليج) لنجد أنها لا تتجاوز الحصول على شهادة الثانوية، وفي أحسن الأحوال الحصول على الشهادة الجامعية، علماً بأن ذلك لا ينتقص من قدرهم شيء، بل على العكس هو مدعاة للفخر والعزة، ففي الوقت الذي كان أبناء الشعب يعانون فيه ويلات الفقر والجهل والسعي إلى لقمة العيش، كانت هذه الفئة القليلة تكافح بجد للحصول على الشهادة الجامعية، فهي تفوقت على أبناء جيلها، فاستحقت أن تكون في المقدّمة لتمارس دورها في قيادة الدولة والمجتمع.

 

وضحت الفكرة؟

 

حسناً إذن.....

 
 
 

لننتقل إلى الفكرة الرئيسية التي لأجلها أكتب هذه التدوينة، وهي تتعلق بموضوع القراءة، وما يسعى إليه جيل النهضة الذي ينشد التغيير، فقد حرص مفكّري النهضة وروّادها على التأكيد على أهمية القراءة ودورها المحوري في صناعة النهضة كلّما سنحت الفرصة، ولم يألوا جهداً في التذكير بأن القراءة هي إحدى أهم الوسائل الضرورية للقائد –أياً كان موقعه، ومهما كان مجاله-، وما زال قادة الفكر النهضوي  إلى اليوم -وعلى رأسهم الدكتور طارق السويدان والدكتور جاسم سلطان، ومن بعدهم عمرو خالد والشقيري وغيرهم- يؤكدون على أهمية هذا الجانب ويشجعون الشباب عليه، ويضعون حدّاً أدنى لذلك يتراوح بين (24 – 52) كتاب سنوياً، مستدلّين بذلك على تجارب الأجيال السابقة ودراسات وبحوث اجتماعية أثبتت أن العامل المشترك بين القيادات والناجحين والمتميزين في العقود الماضية كانت في قراءة هذا الحدّ الأدنى من الكتب.

 

حتى هذه اللحظة يبدو الكلام جميل ورائع ومقنع.....

 

إلا أن الواقع يقرر أمراً آخر....

 
 
 

فمع التطوّرات المتسارعة في قطاع التعليم في عالمنا العربي، وانخفاض نسب الأمية (حيث بدأت تتناقص في دول الخليج بشكل ملحوظ حتّى وصلت إلى الصفر في بعض الدول، ولله الحمد)، ومع ازدياد أعداد المتعلّمين والخريجين بهذه الوتيرة المتسارعة -حتى لا تكاد تجد من لا يحمل شهادة جامعية-، وبانتشار وسائل المعرفة المختلفة وسهولة نقل الخبرات والمعارف بوجود وسائل الاتصال الحديثة، أصبحت التحدّيات أكبر والمنافسة أشدّ (وهو أمر إيجابي قطعاً) فإن الاعتماد على الأرقام والإحصائيات القديمة يصبح غير ذي جدوى، فمن يدّعي بأن قانون قراءة (خمسون) كتاباً سنوياً لأجل التفوق والنجاح وقيادة المجتمع ما زال سارياً، فهو كمن يدّعي بأنّ الحصول على الشهادة الجامعية لم يزل كافياً للوصول إلى منصب الوزارة أو الإدارات العليا في الدوائر والمؤسسات المختلفة (وهو ما كان عليه الأمر في منتصف القرن الماضي في منطقة الخليج)!!!!!!

 


اليوم تغيّرت معادلة (القراءة) كلياً، فازداد الحدّ الأدنى بشكل كبير، وأصبحت تلك الأرقام القديمة (24-52) هي المتوسّط المطلوب من كل فرد كي يبقى ضمن الركب ولا يتخلّف عنه، أما من أراد الريادة والقيادة، فعليه أن يحلّق بعيداً ويتطلّع إلى ما هو أكثر من ذلك بكثيييييييييير وبدون وجود حدّ أعلى J  
 
 

الأربعاء، 12 يونيو 2013

جامعات (فاحشة الثراء) وتخصصات (مترفة)




بدلة أرماني


ساعة روليكس


حقيبة أو محفظة شانيل
 
سيارة بنتلي
 
وجبة من الكافيار الفاخر مع سيجار كوبي
 
 
 
كلها مظاهر من مظاهر الثراء، وربما كان هناك مظاهر أخرى (أجهلها) ل (فاحشي الثراء)
 
 
 
إلا أن ما أعرفه (حقاً) أن الانسان لا يستطيع اللجوء إلى (الترف) إلا بعد استيفائه لمتطلبات الحياة الأساسية بمراحل وأشواط كثيرة، وحيثما وُجد الترف (مادياً أو فكرياً) فاعلم أن صاحبه (على الأغلب) قد لبى احتياجاته الأساسية والثانوية والتكميلية والإضافية منذ زمن، وأن هذه الأساسيات قد أصبحت من البديهيات بالنسبة له وليست إلا تحصيل حاصل.

 

أغبط بلاد العم (سام) على (الترف) الذي يعيشون فيه اليوم، فقد تطوّر العلم عندهم وتشبّع لدرجة وصوله إلى حالة من (الترف)، وكأن العلوم والتخصصات الأساسية والتكميلية ما عادت تشبع نهمهم وتعطشهم لكل ما هو جديد وغريب، حيث بدأت بعض الكليات والجامعات في التسابق فيما بينها في طرح مساقات وتخصصات جديدة وغريبة تنقب عن الماضي وتحاكي الحاضر وتستشرف المستقبل، وفي استعراض سريع إليكم بعض مظاهر (الترف) الجامعي في الجامعات الغربية بما يدل بوضوح على أنهم بالفعل (فاحشو الثراء):
 
 


1)    علم الشيخوخة: حيث كان جزءاً بسيطاً من مواد كليات الطب، واليوم هو (تخصص) قائم بذاته، فيدرس طلاب هذا العلم كل ما يتعلق بالشيخوخة، فهو تخصص يجمع بين الطب وعلم النفس والاجتماع والإعلام والتاريخ، فيدرس طلّابه مساقات في أمراض الشيخوخة ومساق متخصص في الزهايمر، ومساقات اخرى في علم النفس وسلوك العجائز، وفي كيفية التعامل معهم، والبرامج المواد الإعلامية المناسبة لهم، وتاريخ رجال ونساء (عجائز) أضافوا للبشرية، بالإضافة إلى مساق متخصص في البشرة وتجاعيدها!!!!

 

2)    حضارات العالم الخارجي: حيث قامت مجموعة من الجامعات الأمريكية كجامعتي كنتاكي وبنسلفانيا بطرح هذا التخصص، ليضم مساقات على غرار الحياة في الفضاء، البيئات المناسبة للحياة، الجينات الأرضية والفضائية، الفلك، جيولوجيا القمر، علم الكواكب، الفيزياء الفلكية، المجرات، الثقوب السوداء، بالإضافة إلى علم الاجتماع والأخلاق، ويعتمد هذا التخصص النادر على (الفرضيات) فهو يدرس إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض وشكل هذه الحياة، ودراسات مقارنة عن الصفات المشتركة بين الانسان والكائنات الفضائية، وعن محاولات اتصالهم بسكان الأرض، وهل هم أعداء أم أصدقاء!!!!!!

 

3)    القاضية جودي والمحكمة: حيث استحدثت بعض كليات القانون هذا المساق، فتقوم باستعراض حلقات المسلسل الشهير "القاضية جودي" مع الطلبة، ثم يتم تقييم وكشف أخطاء ومغالطات المدعي العام، ومحامي الدفاع، والمحلفين، والمتهمين بالإضافة إلى تقييم قاعة المحكمة وأماكن وقوف عناصر الشرطة أو الحماية، ويهدف المساق بالأساس إلى التدقيق في التفاصيل التي يجب ألا تغيب عن رجل القانون الحاذق، والطالب هنا يمارس دور الناقد السينمائي ولكنه (نقد) من نوع آخر ومن زاوية أخرى.

 

4)    مواقع التواصل الإجتماعي: ولم يعد هذا النوع من التخصصات جديداً أو غريباً، فهو اليوم من المساقات الضرورية في كليات الإدارة وعلم الاجتماع والإعلام وغيرها، حيث يتم دراسة هذه المواقع وآثارها وكيفية التعامل معها والاستفادة منها.

 

5)    مساقات متخصصة في دراسة أفلام معينة: ومن الأمثلة على هذه المساقات ما تقدمه كليات مختلفة في الولايات المتحدة الأمركية، بدءأ من مساق لدراسة (هاري بوتر)، مروراً بمساقات لدراسة (شخصيات الزومبي)، وأخرى لدراسة (الأسطورة والخيال العلمي) فتركز على أفلام (ملك الخواتم) و (X-Files) و(حرب النجوم)، وليس انتهاء بمساق فريد يتبع كلية الفلسفة لدراسة وتحليل وفهم فيلم الخيال العلمي (The Matrix)، وتهدف أغلب هذه المساقات إلى تحليل مضمون هذه الأفلام وفق القواعد العلمية، ثم البحث في فرص حدوثها وتحولها إلى واقع، وماهي سبل التعامل معها حال وقوعها!!!!!

 
 

6)    علم الأبطال خارقي العادة: وهو تخصص نادر تطرحه إحدى جامعات كاليفورنيا، ويدرس فيه الطلبة الخصائص العلمية والاجتماعية والنفسية لسوبرمان وباتمان وسبايدرمان، ثم تتعدى الدراسة لدراسة إمكانية وجود هذه النماذج اعتماداً على الحقائق العلمية ومبادئ الفيزياء وديناميكا الموائع.

 

7)    استراتيجية Star Craft: وهو تخصص تطرحه جامعة كاليفورنيا في بيركلي بالإضافة إلى بعض الكليات العسكرية، ومضمونه الألعاب الالكترونية المتعلقة بفنون الحرب والقتال مثل اللعبة الأشهر (ستار كرافت)، ويقضي الطلبة أغلب أوقاتهم في الصف عبر الجلوس إلى أجهزة الحاسب الآلي وممارسة اللعبة!!!!!
 
 
 
8)    الأنف الأحمر: وهو تخصص في تعليم وتدريس فنون وأصول التهريج، بالإضافة إلى تدريس أبجديات صناعة السيرك.

 

9)    الفروسية وعلم نفس الخيول: ويهدف هذا التخصص إلى تطوير قدرات الطلبة في التواصل مع الخيول والتفاهم معها.

 

 

وتمتد القائمة لتشمل مساقات وتخصصات مختلفة مثل:

 


(فن إضاعة الوقت)، (Simpsons والفلسفة)، (دراسات ديفيد بيكهام)، (روبن هود)، (الفلسفة و Star Trek)، (Star Trek والدين)، (فن المشي)، (القرصنة الأخلاقية)، (تاريخ قصات شعر الأفروأمريكان)، (منع الحرائق تحت الماء)، (إدارة اليخوت والرحلات البحرية)، (إدارة ملاعب الجولف)، (الليدي جاجا وعلم اجتماع الشهرة)، (دراسات الفايكنغ)، (المزاح)، (الغباء)، (الألم)

 

 
 

عقبال ما ربنا يكرمنا في بلادنا العربية، ونستوفي المتطلبات الأساسية من العلم والمعرفة، ونصبح (أثرياء) فنعيش في (ترف) جامعي وتعليمي، فندخل السباق ونستحدث (مساقات) و (تخصصات) جديدة وغريبة لم تخطر على بال أحد من قبل.......

 

 

 

هل لدى أحدكم أي اقتراح؟

الأحد، 14 أبريل 2013

الأمل


 
 
 
(الأمل) هو الدافع والمحرك الرئيس في سعينا نحو العمل والإقبال على الحياة

 
 

(الأمل) في تحقيق غاية

 
 

(الأمل) في الوصول إلى هدف

 
 

(الأمل) في الحصول على أمر أو شيء ما

 
 

الحياة بلا (أمل) ستصبح بلا معنى

 
 

قد لا نحقق ما نريد، وقد يستحيل على أحدنا تحقيق ما يصبو إليه، ولكن ب (الأمل) وحده نستطيع أن نواصل المسيرة، وأن نبتسم كل صباح.

 


تعمّق وتعزّز هذا المعنى عندي بعد أن أصاب والدتي الشلل، فأصبحت عاجزة عن المشي والحركة بشكل جزئي، فأعرضت عن أسباب الحياة، وبدأت بانتظار الموت، إلا أن كل شيء تغير نحو الأفضل حين بدأت الوالدة في الذهاب إلى مركز للعلاج الطبيعي فأصبح يحدوها الأمل بالعودة إلى سابق عهدها في الحركة والمشي، وبأن الحياة ستبتسم لها يوماً ما، فعادت للإقبال على الحياة، وأصبحت كغيرها من النساء ترتاد الحدائق معنا وتشارك الآخرين أفراحهم وأتراحهم، ولكن في تلك اللحظة التي يتناهى إلى سمعها كلمة من أحدهم بأنه ليس هناك (أمل) أو كلمة تشككها في قدرتها على المشي مرة أخرى فإنها تعود إلى سابق عهدها من الإكتئاب والإعراض عن الحياة والاستسلام للموت.

 


قد أكون مقتنعاً في داخلي، بأنها لن تعاود المشي مرة أخرى، وقد يكون هذا رأي الأطباء كذلك، ولكن لماذا أحرمها (الأمل)، وهي التي لم تعد تمتلك من الدنيا غيره.

 


البعض قد لا يملك من هذه الدنيا إلا (الأمل)، فلم لا ندعهم يعيشون به، ويعيشون لأجله، لماذا نحرمهم من الشيء الوحيد الذي يملكونه؟

 


أي قلوب يملكها أولئك الذين لا همّ لهم إلا قتل (الأمل) في قلوب الناس، وما الذي يجنيه هؤلاء من فعلهم هذا؟

 


لا تستغرب، فقد تكون أحدهم من حيث لا تشعر، فربما كنت تفعل ذلك وأنت لا تدري

 


منذ أن تعلمت هذا الدرس، أصبحت حريصاً على أن أجعل هذا (الأمل) ينمو في نفوس أصحابه، فقد يأتيني أحدهم ويحدوه (الأمل) في بناء تجارة أو الحصول على شهادة أو اكتساب مهارة أو ربما أن يظفر/تظفر  بقلبها/قلبه ذات يوم، وأنا أؤمن بداخلي بأنه غير قادر على ذلك، خصوصاً وإن كان قد فاته الكثير في قطار العمر، إلا أني مع ذلك أحرص على بقاء هذا (الأمل) في نفسه خصوصاً وإن كنت أعلم أنه لا يملك غيره.

 


ملاحظة أخيرة: من كان يظن أن هناك إمرأة فاتنة أو غانية لعوب في حياتي اسمها (أمل) فهو واهم J  

الأربعاء، 9 يناير 2013

ثورة التجار


حين كنت صغيراً، كانت والدتي –كغيرها من النساء- تتابع ما يُعرَض من مسلسلات على شاشة التلفاز، فكنّا نضطر إلى متابعتها بدلاً من مشاهدة مباريات فريقنا المفضّل، ولا أذكر حينها أنّه قد استهواني أحدها فحرصت على متابعته، باستثناء ذلك المسلسل المُستوحى من حياة التجّار في البيئة الحلبيّة، حيث مازالت بعض المشاهد لا تبارح الذاكرة حين كان (سلّوم حدّاد) يجلس في متجره يبيع ويشتري، ثم يخرج إلى وسط السّوق ملوّحاً بسبحته الشهيرة على عادة التجّار، ومنذ ذلك اليوم ارتبطت هذه المدينة عندي بالسوق والتجارة، وعرفت بعدها أنها اشتُهِرت بذلك، وأنّها بحقّ مدينة التجّار.


ومع انطلاق شرارة الثورة السورية في مارس 2011، سارعت أغلب المدن السورية في الإنضمام إلى الثورة، فخرجت المظاهرات في حمص وحماة وإدلب ودرعا ودير الزور واللاذقية وغيرها، وكان الغائب الأكبر عن هذه المظاهرات "مدينة التجّار"، ومرّت الأسابيع والشّهور والنّاس ينتظرون انضمام "حلب" إلى الثورة، وتسارعت الأحداث فكَثُرَت المجازر وسقط آلاف القتلى والجرحى ومازال الناس في انتظارهم، فعَمِدوا إلى التشكيك في ولاء أبناء حلب الشهباء لوطنهم، وبدأوا يكيلون الشتائم والسباب والاتهامات المختلفة، وتجاوز البعض آلامهم بإطلاق النكات على أهل هذه المدينة العريقة، ولكن الجميع تناسى الحقيقة الخاصة بكونهم "تجّار" وأن هذا التأخير يعود إلى تكوينهم الإجتماعي وطبيعتهم النفسية بوصفهم "تجّار".



التاجر (الشاطر) بطبيعته، (يحسبها صح) فيُحسِن تقدير المخاطر، فلا هو بالجبان ولا هو بالمتهوّر، فهو يشتري حين يبيع الناس، ويبيع حين ترتفع الأسعار، يعرف متى يتقدّم ومتى يتأخّر، ذكي في تحركاته وتصرفاته، فتجده دوماً يقدّم أقل التنازلات مقابل أعلى المكاسب، وقد أثبت الحلبيّون علوّ كعبهم في هذا المجال، فكانت (حلب) من أقلّ المدن من حيث عدد الشهداء بالنسبة إلى عدد السكّان رغم أنها الأوفر حظّا في تحقيق المكاسب للثورة السورية، ففيها تم إسقاط أكبر عدد من الطائرات التابعة للنظام، وفيها تم تحقيق العديد من الانتصارات والفتوحات للجيش السوري الحر، وفيها تم أسر وقتل العديد من الجنود والضباط والشبيحة المتواطئين مع النظام، وهو أمر يُحسَب لأبناء هذه المدينة المجاهدة.











ولم يختلف تعامل أهل حلب مع الثورة عن تعامل التجّار مع السّوق، فبدأوا بمحاولة الحصول على أكبر حصة من السوق عبر السيطرة على أكبر نسبة من الأراضي، ثمّ حرصوا على تأمين احتياجاتهم من البضائع والخدمات ومنعها عن منافسيهم عبر التحكّم بخطوط الإمداد وبسط نفوذهم على المنافذ الحدودية، وكما هي عادة (التجّار) في تخيّر الأماكن والمواقع الاستراتيجيّة في السوق، فقد قام الحلبيّون بإسقاط مدرسة المشاة العسكرية ذات الأهمية الاستراتيجية للنظام، كما لا تكتمل الصورة إلا بما تدوّنه دفاتر الجرد السنوي وقائمة الأرباح، وهو الأمر الذي يبيّن تفوّق الحلبيّون فيه على غيرهم بكمية الغنائم التي غنموها من قوّات النظام الأسدي.


وإذا كان دخول التجّار إلى السّوق يغيّر قوانين اللعبة، ويعيد رسم خريطة السّوق والأسعار، وربّما يؤثر على الأسواق المجاورة، فكذلك فعلت حلب عند انضمامها إلى الثورة، فتغيّرت قوانين اللعبة بشكل كلّي، وتمّت إعادة رسم المشهد السياسي والعسكري، وانقلبت المعادلة لصالح الجيش السوري الحرّ في العديد من المدن السورية، ولم تقتصر الفائدة على حلب وحدها، بل تعدّاها إلى كافة المدن السورية حتى وصلت إلى العاصمة.


ولعلّه من المصادفة، أن تكون ممارسات أهل المدن السورية في الثورة متشابهة إلى حدّ كبير مع طبيعة التجارة فيها، فمدينة حمص التي اشتهرت بكونها أكبر سوق استهلاكية، كان أهلها كذلك حيث لم يدّخروا جهداً ولا وسعاً في سبيل قضيّتهم، فقدّموا الغالي والنفيس، واشتروا بدمائهم وأنفسهم هذه الثورة المباركة، وفي درعا التي عُرِف تجّارها بمخاطرتهم الشديدة وبأنّهم كثيراً ما يجنون أموالاً لم يحسبوا لها حساباً، فهم أصحاب قلوب قويّة، يقبلون ولا يدبرون، ويغامروا بأموالهم دون كتاب أو حساب، بل مجرّد توكّل على ربّ الأرباب، فكذلك فعلوا في ثورتهم ضدّ النظام، فخرجوا معترضين ومناهضين، وهم لا يعلمون بأنّهم بذلك قد فتحوا الباب على مصراعيه أمام أعظم ثورة في الألفية الثالثة، وأنّ الشعب السوري سيجني ثمار مخاطرتهم تلك أضعاف ما يشتهون في المستقبل القريب – إن شاء الله –


وكما هو معلوم لدى الجميع فإن المنافسة التجاريّة الحقيقية إنما هي بين تجّار حلب وتجّار دمشق (الشام)، فهل سيقبل تجّار (الحميديّة) التحدّي؟ ويدخلوا ميدان التنافس ليثبتوا علوّ كعبهم وطول باعهم في (التجارة)، وأنّ دخولهم (السوق) سيقلب الأمور رأساً على عقب ويحسم (المعركة) -حتماً- لصالحهم، وبشكل نهائي.


هذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة المقبلة.....