الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

CrowdFunding 6 of 20


كنت قد كتبت في تدوينة سابقة عن أحد أشهر المنصات الخاصة بال (CrowdFunding) وأكثرها انتشاراً، وهي الخاصة بموقع GoFundME، ونبّهت حينها على أنها تعتمد بشكل أساسي على النموذج الأول وهو ال (Donate-Based)، وسأتحدث في هذه التدوينة عن أكثر القصص نجاحاً عبر هذه المنصة والتي جمعت أكبر قدر من الأموال منذ انطلاقها، وذلك لإعطاء القارئ صورة أوضح عن نوعية المشاريع أو الحملات التي تناسب هذا النوع من المنصات.



أولى هذه القصص والتي تتربع على عرش القائمة حتى تاريخه، هي قصة الفتاة Eliza ابنة الأربعة أعوام والتي تعاني من مرض نادر، يتطلب توفير علاج له مبالغ طائلة، وEliza  اليوم تتصرف وتتحرك وتتكلم بشكل طبيعي، ولكنها في غضون شهور قليلة ستصبح غير قادرة على الكلام ثم ستفقد بعدها القدرة على المشي، وفي غضون سنوات قليلة سيوافيها الموت مالم تبدأ بالبرنامج العلاجي في أسرع فرصة ممكنة، وقد استطاعت هذه الحملة التي قام بها والداها وأطلق عليها اسم (Saving Elize) جمع ما يزيد عن المليون دولار في أقل من شهرين، لترتفع الحصيلة النهائية فيما بعد لما يزيد عن المليونين دولار، وكان متوسط قيمة المساهمة أو الدعم هو 56 دولاراً فقط.



ومن القصص الناجحة – على الرغم من بساطتها وتكرارها – هي قصة السيد ماثيو بيكر، الذي توفي في حادث سيارة مخلّفاً وراءه زوجته وستة أطفال، فانطلقت حملة قادها أصدقاء العائلة، وقد استطاعوا من خلال التركيز على أطفاله اليتامى وصعوبة استمرار حياتهم بعد وفاة معيلهم الوحيد من جمع ما يزيد عن ال750000 دولار خلال فترة وجيزة، ومن عوامل نجاح حملتهم كذلك تركيزهم على سيرة حياة الراحل وعرضها باعتباره رجلاً طيباً قضى حياته في الاهتمام بالآخرين ومساعدتهم، كما لا تختلف كثيرا قصة السيدة نيكي روجان أرملة السيد مارك روجان، والتي توفي زوجها في حادث سيارة كذلك وهي في طريقها لوضع طفلهما (الثامن)، لتصبح أرملة مسؤولة عن رعاية أطفالها الثمانية فتنطلق حملة الكترونية لمساعدتها وتنجح في جمع قرابة ال500,000 دولار في غضون ستة أشهر.



ولعلّ ذلك يقودنا إلى الحملة التي أطلقتها صديقة السيدة Erica Morales، والتي بدأت رحلة طويلة من العلاج لتتمكّن من الانجاب، وقبل أن تتوج رحلتها بالنجاح بولادة أربع توائم مرة واحدة، كان أجلها أسرع فقضت نحبها أثناء الوضع، وتقوم صديقتها بمحاولة جمع الأموال اللازمة لرعاية هؤلاء الأطفال باطلاق هذه الحملة لتنجح في جمع ما يقارب ال500,000 دولار في غضون عشرة أشهر وبمعدّل مساهمة 36 دولاراً فقط.

  

ولعلّ البعض يظنّ إن إطلاق هذا النوع من الحملات (Donate-based) ونجاحها عبر هذه المنصات يتطلب جهداً استثنائياً أو ربما خبرة إعلامية في التصوير والانتاج والتسويق، إلا أن نظرة سريعة على قصة Liza ؛ تلك الفتاة المصابة بأحد أنواع السرطان، والتي لم تجعل المرض عائقاً يحول دون المضي قدماً في حياتها حتى حين علمت بأنّه لم يتبقى لها للعيش إلا عدة أسابيع - بحسب ما يقوله الأطباء -، فقررت الاستعجال في إتمام مراسم زفافها ودعوة أفراد عائلتها وأصدقائها المقريبن للاحتفال معها في هذه المناسبة، فقامت أختها بعد ذلك وبإلهام من شقيقتها بإطلاق حملة بعنوان (Love For Liza) لجمع التبرعات لدعم أبحاث هذا النوع من السرطان، والمساهمة في الصندوق الذي تمّ إنشاؤه خصيصا لعلاج المصابين بهذا النوع من السرطانات، فأنتجت فيديو غاية في البساطة لا يحوي إلا مجموعة من الصور لشقيقتها مع خطيبها بالإضافة إلى بعض الصور - بكاميرا متواضعة - من حفل الزفاف، ثم رفعتها على الموقع مع ذكر الهدف من الحملة باختصار بسيط، لتنجح في جمع ما يزيد عن ال500,000 دولار في غضون أسابيع قليلة، وللاطلاع على الفيديو وبساطته يمكنكم زيارة الرابط التالي هنا:







كما يمكنكم الاطلاع على تفاصيل القصة التي ألهمت هذه الحملة هنا:



ولعلّ من القصص التي تستحق المشاركة هي قصة آلان بارنز (Alan Barnes)، وهو رجل يبلغ من العمر 67 عاماً ويعاني من مجموعة من الإعاقات يتعرّض للضرب والسرقة بجانب منزله، فيخشى من العودة إليه ويرغب بالبحث عن مأوى آخر، وكان كل ما يحتاجه للانتقال هو مبلغ 750 دولار أمريكي، ولم يفكّر آلان - بحكم إعاقته وكبر سنه – بكيفية الحصول على هذا المبلغ البسيط، إلا أن شخصاً غريباً - سمع بقصته – وقرر إطلاق حملة لجمع هذا المبلغ المتواضع ومساعدة ذلك الرجل العجوز، لتنال القصة شهرة واسعة وتجمع ما يقارب ال500,000 دولار أمريكي وبمعدّل مساهمة لا يتجاوز ال20 دولار أمريكي لكل متبرع، مما حدا بآلان لكي يطلب من الجمهور (The Crowd)، أن يتوقفوا عن التبرع له لأن ما وصله يفوق بكثير ما يحتاجه.



وإذا كنّا أعلاه قد ذكرنا أكثر القصص نجاحاً – من خلال النظر إلى حجم الأموال التي تمّ جمعها -، إلا أن هناك العديد من القصص الملهمة الأخرى، والتي وإن لم تكن قد جمعت مبالغ كبيرة، إلا أنها نجحت في جمع ما ترغب بالحصول عليه – مهما كان المبلغ صغيراً -، كقصة تلك الفتاة المتوفقة في جامعة بوسطن والتي عجز والداها عن دفع مصاريفها الدراسية، مما يهدد بقاءها في الجامعة وإكمال دراستها فقررت إطلاق حملة لجمع مبلغ 5000 دولار فقط - قيمة الرسوم الدراسية لفصل واحد -، لتنجح في جمعها في غضون 27 ساعة فقط.



المزيد من القصص عبر هذا الرابط قصص ملهمة.




أرجو أن أكون قد تمكنت من خلال هذه التدوينة من إعطاء صورة واضحة عن نوعية المشاريع والحملات التي تتناسب مع نموذج ال (Donate-Based) في ال (CrowdFunding)، والذي تعدّ منصة (GoFundMe) أشهر منصّاته، بالإضافة إلى مجموعة من المنصّات الأخرى التي تعتمد ذات النموذج.

الاثنين، 9 نوفمبر 2015

CrowdFunding 5 of 20

تطرّقت في المرّة الماضية للحديث عن أنواع الCrowdFunding، ولعلّه من المفيد أن أتحدّث في هذه التدوينة عن النوع الأول باختصار باعتباره أوّل الأنواع ظهوراً وأكثرها بساطة، ولقربه من تعاملاتنا اليومية، فأغلبنا ربما قد ساهم به بطريقة أو بأخرى، وذلك باعتباره معتمداً على نظام التبرّع المباشر (Donate-Based).


النظام بكل بساطة يعتمد على طرح مشروع أو قضية (غالباً ما تتخذ طابع إنساني) ثم تدعو الآخرين للمساهمة في دعم هذه القضية والتبرّع لها، وبطبيعة الحال فإن هذا الأسلوب وهذه الممارسة لا تقتصر على منصّات ال CrowdFunding، وإنّما تتعدّاها إلى كل المواقع الخاصّة بالمؤسسات الخيرية والانسانية والمؤسسات المجتمعية التي تعتمد إيراداتها بشكل أساسي على التبرعات، بل تعدّ هذه المؤسسات صاحبة السبق في ذلك، فهي تعتمد بشكل أساسي على جمع التبرعات من الجمهور بشتّى الطرق لدعم مشاريعها، ثمّ طوّرت من أساليبها لتواكب التطور التكنولوجي من خلال إمكانية الدفع عبر الانترنت.


وهنا يبرز التساؤل الأهم حول ما يميّز منصّات ال CrowdFunding القائمة على هذا الأساس (Donate-Based)، وللإجابة على هذا التساؤل يكفينا أن نذكر بأنّ أكبر وأشهر منصّة لل CrowdFunding تعتمد هذا الأساس، ولم يكن ذلك من باب المصادفة رغم أنّها لم تكن المنصّة الأولى، وإنما سبقتها عشرات المنصّات قبل ذلك، وقد استطاعت هذه المنصّة أن تنجح في جمع أكثر من 1.3 مليار دولار منذ إطلاقها عام 2010، وتقوم حالياً بجمع ما يزيد عن الأربع ملايين دولار يومياً لدعم المشاريع والقضايا المطروحة من خلالها، أي ما يزيد عن المليار دولار سنوياً، ولعلّ ذلك يعطينا مؤشراً عن سرعة نموّ هذه الصناعة، ففي سنة واحدة وصلت الإيرادات إلى ما مجموعه إيرادات خمس سنوات مجتمعة. (يعني بالنسبة لجماعة الرياضيات؛ النمو يتحرك بشكل Exponential وليس Linear)


ويكمن سرّ هذا النجاح في أنّ منصّات ال CrowdFundingتسمح للأفراد العاديين بطرح مشاكلهم وقضاياها وبرامجهم الخاصة لجمع التبرعات، وهو الأمر الذي لا يتوافر من خلال المؤسسات الخيرية والإنسانية أو قنوات التبرعات الأخرى، أي أنّ أي إنسان يستطيع أن يطرح مشكلته وقضيته الخاصة (أو قضية شخص أو مجموعة أخرى يهمه أمرها) من خلال هذه المنصات طالبا من الآخرين المساهمة فيها والعمل على إنجازها.



ولعلّ نظرة سريعة على المنصّة رقم واحد عالمياً وهي GoFundMe والتي تحدثت عنها أعلاه، تجعلنا نلاحظ بوضوح بأنّ أغلب المشاريع المطروحة تحمل طابعاً إنسانياً كما ذكرت آنفاً، وتندرج ضمن أحد الفئات التالية (مصاريف علاجية، رسوم دراسية، برامج تطوعية، مشاريع شبابية، أو لرسوم الجنازات وحفلات التأبين!!!)، حيث يقوم صاحب المشروع بطرح قضيته وما يرغب بجمع التبرعات لأجله، ثم يطلب من الآخرين دعمه لتحقيقها، وقد استطاع آلاف البشر تمويل مصاريف علاجهم أو رسوم دراستهم من خلال هذه المنصّة الأشهر عالمياً: https://www.gofundme.com


وإذا كانت سهولة الاشتراك وتسجيل المشروع (أو القضية) وعدم وجود أي التزامات على صاحب المشروع هي أبرز ايجابيات هذا النوع، فإن أبرز السلبيات تكمن في صعوبة الحصول على مبالغ مالية كبيرة، فالمشاريع التي تجاوزت المساهمات المالية لها حاجز المئة ألف دولار  لا تكاد تذكر مقارنة بحجم المشاريع الإجمالي، كما أن عدد المشاريع التي نجحت في الحصول على تمويل يفوق المليون دولار لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة،  ويعود السبب في ذلك إلى السلبية الرئيسية الثانية وهي أن التبرع بشكل عام يعتمد على اللعب على وتر العاطفة عند الناس (وهو ليس أمراً سلبياً بالضرورة، بل كثيراً ما يكون إيجابياً)، ولذا نجد أن أغلب المشاريع الناجحة عبر هذه المنصات (Donate - based) هي تلك التي نجحت في إثارة المشاعر الانسانية لدى المتبرعين واستدرار عواطفهم، ولذا فلن نستغرب أن تكون قصة الفتاة ابنة الخمسة أعوام والتي تعاني من مرض نادر هي صاحبة الرقم القياسي في مجموع المبالغ المجمّعة (جمعت ما يقارب المليوني دولار لمصاريف علاجها).


وبناء على ماسبق فإن هذا النوع من المنصات يناسب القضايا الإنسانية وتلك المشاريع التي لا تهدف إلى الربح المادي وتحمل بين طيّاتها قصة إنسانية يتأثر الناس لأجلها ولا يمانعون في إدخال بيانات بطاقاتهم الائتمانية لأجل سعادة أصحابها.



أتحدث في المرة القادمة عن بعض القصص الناجحة من خلال هذا النوع، لعلّي من خلالها أنقل لكم صورة أوضح عن طبيعة المشاريع والحملات التي من المناسب طرحها والعمل عليها من خلال هذا النوع من المنصات، علماً بأن هذه المنصات لا تشترط وصول المبالغ المدفوعة من المتبرعين للهدف المنشود، ولكنها تقوم بتحويل أي مبلغ يتمّ التبرع به إلى صاحب الحملة، وتلك ميزة أخرى كذلك لل(Donate-based).  

الأحد، 8 نوفمبر 2015

CrowdFunding 4 of 20

ترددت كثيراً قل أن أقرر كتابة هذا البوست، فأنا على بعد خمسون كيلومترا من شاطئ البحر على ظهر البارجة البحرية في وسط الخليج العربي، حيث الارسال ضعيف جداً، وأمامي يوم حافل غداً منذ بواكير الفجر الأولى، الا أن التزامي بنشر مقالتين حول الموضوع كل أسبوع يومي الاثنين والخميس، جعلاني أغادر صومعتي البحرية بعد يومٍ مرهق صعوداً إلى مكتبي حيث أستطيع نشر المقالة عبر الCabels، ولعلّها فرصة كي أثبت لنفسي (جدّيتي) في إكمال السلسلة.

العناصر الرئيسة:
ولفهم آلية عمل الCrowdFunding، لابدّ لنا من فهم العناصر الرئيسية المكوّنة لها وهي باختصار:

1)    صاحب المشروع: وهو صاحب الفكرة الذي يرغب بتمويل مشروعه.
2)    المستثمر أو المتبرّع: وهم الأفراد (From the Crowd) الذين يدعمون الفكرة وقرروا المساهمة في تمويلها، ولذلك تم الاصطلاح على تسميتهم بالداعمون (Backers).
3)    الجهات المنظمة: أو ما يطلق عليها اسم ال (Platform)، وهي المنصات أو المواقع الالكترونية التي تجمع جميع الأطراف سويّاً لاطلاق الفكرة والعمل على تنفيذها، حيث تتمّ عملية التمويل من خلالها، فيقوم صاحب المشروع بعرض فكرته على الموقع الالكتروني، وتتمّ عملية استلام الأموال من الداعمين عبر طرق الدفع الالكتروني، ثم إعادة تسليمها لصاحب المشروع للبدء بالتنفيذ.

وإذا كان العنصرين الأوّليين هما العناصر الرئيسة في عمليات التمويل التقليدية، فإن العنصر الثالث هو المحرّك الرئيس والدينامو الذي تقوم عليه عمليات الCrowdFunding، وهو ما يميّز الCrowdFunding - باعتباره العنصر الدخيل – على اساليب التمويل الأخرى.


وبالرغم من صغر عمر الCRowdFunding، إلا أنها استطاعت أن تشقّ طريقها بنجاح لدرجة أنّها لم تعد مقتصرة على نوع أو نموذج واحد، ولكنّها تطوّرت ونمت وتفاعلت مع ما حولها ليصبح لدينا خمس أنواع من النماذج الأساسية وهي:

1)    النموذج القائم على أساس التبرّع Donate-based crowdfunding
2)    النموذج القائم على أساس المكافآت Rewards-based crowdfunding
3)    النموذج القائم على أساس الطلب مقدّماً Pre-order crowdfunding
4)    النموذج القائم على أساس الدّين Debt-based crowdfunding
5)    النموذج القائم على أساس حقوق الملكيّة Equity crowdfunding


ولكلّ نموذج من هذه النماذج ما يميّزها وما يعيبها، وكلّ له إيجابياته وسلبياته، وهو ما سأتحدّث عنه لاحقاً حين أتطرّق لكل نوع من هذه النماذج بالتفصيل، كما أنّ هذه النماذج في طريقها للزيادة، وقد تتعرّض للمزيد من التعديلات والتغييرات (الإيجابية) في تفاصيلها بعد التوجيهات الأخيرة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتعديل القانون التجاري الأمريكي ليتوافق مع ما أدخلته الCrowdFunding إلى عالم التمويل، وتلك قصة أخرى ممتعة تنطوي على الكثير من التفاصيل وال Tricks.

الاثنين، 26 أكتوبر 2015

CrowdFunding 3 of 20


وقبل البدء بالحديث عن الCrowdFunding  كنوع من أنواع التمويل للمشاريع الناشئة والأفكار الوليدة، لابدّ لنا من معرفة أنواع التمويل التقليدية الأخرى، وهي لا تخرج عن خمس مصادر رئيسة يلجأ إليها صاحب المشروع لتمويل مشروعه:


1.     التمويل الشخصي: من خلال المدخّرات والأموال الشخصية لصاحب المشروع، والتي عادة ما تكون قليلة وغير كافية لتمويل الفكرة بشكل كامل، وكثيرا ما يتراجع أصحاب المشاريع عن الاستمرار في مشاريعهم خوفا من ضياع مدخراتهم الشخصية – التي لا يملكون غيرها - أو لعدم كفايتها.


2.  الأهل والأصدقاء: وكثيرا ما كان هذا المصدر هو بصيص النور للعديد من روّاد الأعمال وأصحاب الأفكار الابداعية، إلا أن دوره يتضاءل في منطقتنا العربية نتيجة للأوضاع المادية الصعبة الذي تمرّ فيه العديد من الأسر في شتّى أنحاء العالم العربي، علاوة على أن ذلك يتطلّب إيمان الأهل والأصدقاء بإبداع ابنهم وفي بيئة وثقافة تشجع وتدعم المبدعين وأصحاب الأفكار الوليدة، وليس في بيئة ما زالت تستمتع بتكسير مجاديف الآخرين.


3.   المستثمرين المعتمدين: أو ما يطلق عليه المستثمر الملاك (Angel Investor)، ويعدّ هؤلاء المصدر المثالي للتمويل؛ فهم أفراد متمكنون مادّيا، يقومون بدعم المشروع مادّيا لإيمانهم الشديد بالفكرة وصاحبها، دون أن ينتظروا الكثير من العائد المادي، وفي كثير من الأحيان يقدّموا أموالهم في مشاريع غير ربحية ، ودافعم الأساس دوماً هو إيمانهم بالفكرة وثقتهم في صاحب المشروع على تنفيذها، الا أن هذا النوع من المستثمرين يكاد يكون معدوماً في عالمنا العربي، ولو وُجِد فإن الوصول إليهم سيكون في غاية الصعوبة.


4.  الملكية الخاصة: (Venture Capital / Private Equity): وذلك من خلال مؤسسات ومنظمات تقوم بالتمويل مقابل امتلاك نسبة من حقوق الملكية والعائدات، ولا تقدّم هذه المؤسسات التمويل إلا بعد دراسة متأنية ودقيقة للمشاريع - وهو السبب الذي ينتج عنه رفض أغلب الأفكار الابداعية والغير تقليدية -، كما تقوم بفرض العديد من الشروط التي غالباً ما تكون مجحفة بحقّ صاحب الفكرة حيث تسيطر على النسبة الأكبر من حقوق الملكية مقابل ما تقدّمه من أموال علاوة على أنّها لا تتمتّع بالنفس الطويل، فهذه المؤسسات هدفها الربح المادي وترغب برؤية نتائج ذلك الاستثمار في أسرع فرصة ممكنة، بالإضافة إلى أنّه يتطلب قدرات اقناعية لدى صاحب الفكرة - والتي غالباً ما يفتقدها المبدعون -.


5.     طرح الأسهم العامة أو الخاصة: وبالرغم من أنها أحد أكثر طرق التمويل انتشاراً، وتكاد تكون الوحيدة الموجّهة إلى الجمهور للاستثمار فيها بأي مبلغ - ولو كان صغيراً -، إلا أنها تنطوي على العديد من الاجراءات القانونية والفنية المعقّدة، كما أنها مصمّمة أساساً لتمويل المشاريع الكبيرة والعملاقة، ولا تتناسب بتاتاً مع طبيعة المشاريع الصغيرة والناشئة مع الأخذ بالاعتبار ضرورة الالتزام بالأنظمة والقوانين المعمول بها لطرح الأسهم في هذا البلد أو ذاك.



وبعد هذه الجولة السريعة في أنواع التمويل التقليدية، أنتقل معكم للحديث عن الوافد الجديد ال (CrowdFunding)، والذي ظهر كنتيجة طبيعية للتطور التكنولوجي في وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات.



ولمعرفة ماهيّته يكفينا النظر في اسمه المكوّن من كلمتين Crowd و Funding، فهو يعني باختصار: التمويل من الحشود أو الجمهور العام، وقد أصبح من المتعارف عليه أن ال CrowdFunding يقصد به تمويل المشاريع من خلال المساهمات النقدية من عدد كبير من الناس (الحشود)، وعادة ما يتمّ ذلك عن طريق الإنترنت.



ويتمّ ذلك حين توافق مجموعة كبيرة جداً من الناس على تقديم مساهمات مالية صغيرة من المال - قد لا تتجاوز الدولار الواحد - لمشروع ما، وذلك من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية، لمساعدة الفنانين والموسيقيين والسينمائيين وغيرهم من أهل الابداع لتمويل مشاريعهم، وبسبب تطور الاتصالات وإمكانية الدفع عبر بطاقات الائتمان أصبح الجمهور المساهم هو كل سكان المعمورة ولم يعد مقتصراً على الجمهور المحلي المباشر، فمن خلال كلمات بسيطة وعرض تقديمي مختصر يستطيع المبدعون وروّاد الأعمال الوصول إلى ملايين المستخدمين عبر الشبكة، وبمساهمات نقدية بسيطة من هؤلاء - بغضّ النظر عن أماكن تواجدهم - يصبح من الممكن جمع ما يكفي من الأموال لانطلاق مشروعك.

CrowdFunding 2 of 20

منذ فجر التاريخ، والمجتمعات البشرية تعتمد على )الاقتصاد( بشكل رئيسي للنمو والمضي قدماً نحو المستقبل، وهذا الاقتصاد قد يكون بصورته البدائية بالمقايضة المباشرة أو زراعة بعض الحبوب أمام فناء الدار أو صناعة بعض الأواني من الطين، وقد يكون كذلك شديد التعقيد كما يحدث في أسواق المال والبورصات العالمية، وبالرغم من اختلاف المفكرين والفلاسفة على مرّ التاريخ عن المحرك الأساسي للأحداث العالمية والتحولات الكبرى (هل هو الدين، السياسة والنفوذ، أم الاقتصاد)، إلا أنّهم اتفقوا جميعا على أهمية الاقتصاد والمال باعتباره أكثر العناصر تأثيراً فيما يحدث حولنا، إن لم يكن هو المحرّك الأساس.


والاقتصاد كغيره من العلوم يعتمد على عدة ركائز، إلا أن عموده الفقري هو (التمويل)، وقد كان التمويل على الدوام التحدي الأساسي أمام كل المشروعات (الصغيرة منها والعملاقة)، بل حتى الأحداث السياسية الكبرى كشنّ الحروب أو بناء الدول كانت دوماً ما تبدأ - أو تنتهي - متأثرة بهذا العامل، ويلعب التمويل دوراً هامّاً في إقامة المشاريع التنموية وبناء البنى التحتية ورسم سياسات الدول على المدى القريب والبعيد، وأهمية التمويل لا تقتصر على المشاريع العملاقة، ولكنها تتعدى ذلك إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي أصبحت تشكل اليوم ما نسبته 90% من الاقتصاد العالمي، ومع ظهور الأنظمة الديمقراطية وانحسار هيمنة النبلاء والسياسيين وكبار الملّاك على الموارد الاقتصادية وتضاؤل الفجوة بين طبقات المجتمع المختلفة؛ بدأت الحاجة إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في ازدياد لتصبح هي التحدّي الأبرز في العقود الأخيرة، ولعلّ ذلك هو السبب الأبرز الذي جعل جائزة نوبل للسلام في عام 2006 تذهب لدكتور الاقتصاد الباكستاني محمد يونس عن دوره في إيجاد حلّ لتمويل المشاريع المتناهية الصغر مما كان له الأثر الايجابي على مجتمعه المحلي في بنجلاديش، لتصبح تجربة محمد يونس (Gramin Bank) ثورة في عالم التمويل ويتمّ تعميمها والاستفادة منها في العديد من دول العالم.



واليوم، ومع التطور التكنولوجي الهائل في تقنية المعلومات ووسائل الاتصالات، وانكماش العالم وتحوّله إلى قرية صغيرة، فإن عهداً جديداً من (التمويل) بدأت كتابته منذ سنوات قلائل، عهد الانتقال من الMicro-finance إلى الCrowd-Funding، ولعلّي في هذه السلسلة المتواضعة أحاول أن أرسم خارطة الطريق له، مستنفذاً جهدي ومحاولاً ما استطعت أن أضع أمام أيدي القرّاء هذا المفهوم الجديد وكيفية الاستفادة منه في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة دون الحاجة للجوء إلى الطرق التقليدية التي كثيراً ما كانت سبباً في وأد العديد من الأفكار الابداعية والمشاريع الوليدة.


سأبدأ السلسلة بالحديث عن المصطلح وما يعنيه وكيف يعمل، ثم أنتقل للحديث عن أنواعه المختلفة، وأهم المنصّات (المواقع الاكترونية) التي تستضيف وتسمح لأصحاب المشاريع بلحصول على التمويل من خلالها، كما سأتحدّث عن بعض القصص الناجحة والملهمة، كما لن أغفل الحديث عن إيجابيات وسلبيات التمويل بهذه الطريقة (CrowdFunding) وأهم التحديات، كما سأخصص جزءا رئيسا من السلسلة للحديث عمّا يحتاجه أًصحاب الأفكار والمشاريع للحصول على التمويل الكافي لنجاح مشاريعهم من خلال مجموعة من النصائح والتوجيهات والخطوط العريضة (Tips) ولعلّي أختم بوجهة نظري الخاصّة بمستقبل الCrowdFunding، وهل نحن على أعتاب Era جديدة ربّما تغيّر من وجه العالم.


وللحديث بقية.........