الاثنين، 26 أكتوبر 2015

CrowdFunding 3 of 20


وقبل البدء بالحديث عن الCrowdFunding  كنوع من أنواع التمويل للمشاريع الناشئة والأفكار الوليدة، لابدّ لنا من معرفة أنواع التمويل التقليدية الأخرى، وهي لا تخرج عن خمس مصادر رئيسة يلجأ إليها صاحب المشروع لتمويل مشروعه:


1.     التمويل الشخصي: من خلال المدخّرات والأموال الشخصية لصاحب المشروع، والتي عادة ما تكون قليلة وغير كافية لتمويل الفكرة بشكل كامل، وكثيرا ما يتراجع أصحاب المشاريع عن الاستمرار في مشاريعهم خوفا من ضياع مدخراتهم الشخصية – التي لا يملكون غيرها - أو لعدم كفايتها.


2.  الأهل والأصدقاء: وكثيرا ما كان هذا المصدر هو بصيص النور للعديد من روّاد الأعمال وأصحاب الأفكار الابداعية، إلا أن دوره يتضاءل في منطقتنا العربية نتيجة للأوضاع المادية الصعبة الذي تمرّ فيه العديد من الأسر في شتّى أنحاء العالم العربي، علاوة على أن ذلك يتطلّب إيمان الأهل والأصدقاء بإبداع ابنهم وفي بيئة وثقافة تشجع وتدعم المبدعين وأصحاب الأفكار الوليدة، وليس في بيئة ما زالت تستمتع بتكسير مجاديف الآخرين.


3.   المستثمرين المعتمدين: أو ما يطلق عليه المستثمر الملاك (Angel Investor)، ويعدّ هؤلاء المصدر المثالي للتمويل؛ فهم أفراد متمكنون مادّيا، يقومون بدعم المشروع مادّيا لإيمانهم الشديد بالفكرة وصاحبها، دون أن ينتظروا الكثير من العائد المادي، وفي كثير من الأحيان يقدّموا أموالهم في مشاريع غير ربحية ، ودافعم الأساس دوماً هو إيمانهم بالفكرة وثقتهم في صاحب المشروع على تنفيذها، الا أن هذا النوع من المستثمرين يكاد يكون معدوماً في عالمنا العربي، ولو وُجِد فإن الوصول إليهم سيكون في غاية الصعوبة.


4.  الملكية الخاصة: (Venture Capital / Private Equity): وذلك من خلال مؤسسات ومنظمات تقوم بالتمويل مقابل امتلاك نسبة من حقوق الملكية والعائدات، ولا تقدّم هذه المؤسسات التمويل إلا بعد دراسة متأنية ودقيقة للمشاريع - وهو السبب الذي ينتج عنه رفض أغلب الأفكار الابداعية والغير تقليدية -، كما تقوم بفرض العديد من الشروط التي غالباً ما تكون مجحفة بحقّ صاحب الفكرة حيث تسيطر على النسبة الأكبر من حقوق الملكية مقابل ما تقدّمه من أموال علاوة على أنّها لا تتمتّع بالنفس الطويل، فهذه المؤسسات هدفها الربح المادي وترغب برؤية نتائج ذلك الاستثمار في أسرع فرصة ممكنة، بالإضافة إلى أنّه يتطلب قدرات اقناعية لدى صاحب الفكرة - والتي غالباً ما يفتقدها المبدعون -.


5.     طرح الأسهم العامة أو الخاصة: وبالرغم من أنها أحد أكثر طرق التمويل انتشاراً، وتكاد تكون الوحيدة الموجّهة إلى الجمهور للاستثمار فيها بأي مبلغ - ولو كان صغيراً -، إلا أنها تنطوي على العديد من الاجراءات القانونية والفنية المعقّدة، كما أنها مصمّمة أساساً لتمويل المشاريع الكبيرة والعملاقة، ولا تتناسب بتاتاً مع طبيعة المشاريع الصغيرة والناشئة مع الأخذ بالاعتبار ضرورة الالتزام بالأنظمة والقوانين المعمول بها لطرح الأسهم في هذا البلد أو ذاك.



وبعد هذه الجولة السريعة في أنواع التمويل التقليدية، أنتقل معكم للحديث عن الوافد الجديد ال (CrowdFunding)، والذي ظهر كنتيجة طبيعية للتطور التكنولوجي في وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات.



ولمعرفة ماهيّته يكفينا النظر في اسمه المكوّن من كلمتين Crowd و Funding، فهو يعني باختصار: التمويل من الحشود أو الجمهور العام، وقد أصبح من المتعارف عليه أن ال CrowdFunding يقصد به تمويل المشاريع من خلال المساهمات النقدية من عدد كبير من الناس (الحشود)، وعادة ما يتمّ ذلك عن طريق الإنترنت.



ويتمّ ذلك حين توافق مجموعة كبيرة جداً من الناس على تقديم مساهمات مالية صغيرة من المال - قد لا تتجاوز الدولار الواحد - لمشروع ما، وذلك من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية، لمساعدة الفنانين والموسيقيين والسينمائيين وغيرهم من أهل الابداع لتمويل مشاريعهم، وبسبب تطور الاتصالات وإمكانية الدفع عبر بطاقات الائتمان أصبح الجمهور المساهم هو كل سكان المعمورة ولم يعد مقتصراً على الجمهور المحلي المباشر، فمن خلال كلمات بسيطة وعرض تقديمي مختصر يستطيع المبدعون وروّاد الأعمال الوصول إلى ملايين المستخدمين عبر الشبكة، وبمساهمات نقدية بسيطة من هؤلاء - بغضّ النظر عن أماكن تواجدهم - يصبح من الممكن جمع ما يكفي من الأموال لانطلاق مشروعك.

CrowdFunding 2 of 20

منذ فجر التاريخ، والمجتمعات البشرية تعتمد على )الاقتصاد( بشكل رئيسي للنمو والمضي قدماً نحو المستقبل، وهذا الاقتصاد قد يكون بصورته البدائية بالمقايضة المباشرة أو زراعة بعض الحبوب أمام فناء الدار أو صناعة بعض الأواني من الطين، وقد يكون كذلك شديد التعقيد كما يحدث في أسواق المال والبورصات العالمية، وبالرغم من اختلاف المفكرين والفلاسفة على مرّ التاريخ عن المحرك الأساسي للأحداث العالمية والتحولات الكبرى (هل هو الدين، السياسة والنفوذ، أم الاقتصاد)، إلا أنّهم اتفقوا جميعا على أهمية الاقتصاد والمال باعتباره أكثر العناصر تأثيراً فيما يحدث حولنا، إن لم يكن هو المحرّك الأساس.


والاقتصاد كغيره من العلوم يعتمد على عدة ركائز، إلا أن عموده الفقري هو (التمويل)، وقد كان التمويل على الدوام التحدي الأساسي أمام كل المشروعات (الصغيرة منها والعملاقة)، بل حتى الأحداث السياسية الكبرى كشنّ الحروب أو بناء الدول كانت دوماً ما تبدأ - أو تنتهي - متأثرة بهذا العامل، ويلعب التمويل دوراً هامّاً في إقامة المشاريع التنموية وبناء البنى التحتية ورسم سياسات الدول على المدى القريب والبعيد، وأهمية التمويل لا تقتصر على المشاريع العملاقة، ولكنها تتعدى ذلك إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي أصبحت تشكل اليوم ما نسبته 90% من الاقتصاد العالمي، ومع ظهور الأنظمة الديمقراطية وانحسار هيمنة النبلاء والسياسيين وكبار الملّاك على الموارد الاقتصادية وتضاؤل الفجوة بين طبقات المجتمع المختلفة؛ بدأت الحاجة إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في ازدياد لتصبح هي التحدّي الأبرز في العقود الأخيرة، ولعلّ ذلك هو السبب الأبرز الذي جعل جائزة نوبل للسلام في عام 2006 تذهب لدكتور الاقتصاد الباكستاني محمد يونس عن دوره في إيجاد حلّ لتمويل المشاريع المتناهية الصغر مما كان له الأثر الايجابي على مجتمعه المحلي في بنجلاديش، لتصبح تجربة محمد يونس (Gramin Bank) ثورة في عالم التمويل ويتمّ تعميمها والاستفادة منها في العديد من دول العالم.



واليوم، ومع التطور التكنولوجي الهائل في تقنية المعلومات ووسائل الاتصالات، وانكماش العالم وتحوّله إلى قرية صغيرة، فإن عهداً جديداً من (التمويل) بدأت كتابته منذ سنوات قلائل، عهد الانتقال من الMicro-finance إلى الCrowd-Funding، ولعلّي في هذه السلسلة المتواضعة أحاول أن أرسم خارطة الطريق له، مستنفذاً جهدي ومحاولاً ما استطعت أن أضع أمام أيدي القرّاء هذا المفهوم الجديد وكيفية الاستفادة منه في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة دون الحاجة للجوء إلى الطرق التقليدية التي كثيراً ما كانت سبباً في وأد العديد من الأفكار الابداعية والمشاريع الوليدة.


سأبدأ السلسلة بالحديث عن المصطلح وما يعنيه وكيف يعمل، ثم أنتقل للحديث عن أنواعه المختلفة، وأهم المنصّات (المواقع الاكترونية) التي تستضيف وتسمح لأصحاب المشاريع بلحصول على التمويل من خلالها، كما سأتحدّث عن بعض القصص الناجحة والملهمة، كما لن أغفل الحديث عن إيجابيات وسلبيات التمويل بهذه الطريقة (CrowdFunding) وأهم التحديات، كما سأخصص جزءا رئيسا من السلسلة للحديث عمّا يحتاجه أًصحاب الأفكار والمشاريع للحصول على التمويل الكافي لنجاح مشاريعهم من خلال مجموعة من النصائح والتوجيهات والخطوط العريضة (Tips) ولعلّي أختم بوجهة نظري الخاصّة بمستقبل الCrowdFunding، وهل نحن على أعتاب Era جديدة ربّما تغيّر من وجه العالم.


وللحديث بقية.........



CrowdFunding 1 of 20

دُعيت قبل مدة تربو على العام للحديث في أحد الموضوعات المرتبطة في عالم المال والأعمال، وترك لي المنظّمون حرية اختيار الموضوع الذي أودّ الحديث عنه، فآثرت الخروج عن القالب التقليدي والمواضيع المعتادة في مثل هذا النوع من المؤتمرات، واخترت موضوع الCrowdFunding، وكنت أظنّ حينها أن التفاعل والاهتمام بالموضوع لن يتعدّى فترة الثلاثون دقيقة التي تحدثت فيها حيث يستفيد منها الحضور ويستمتع بمحتواها (حيث كنت أفترض أنّ الأغلبية ربما يعرفون عنه)، إلا أن التفاعل وردود الأفعال كانت مفاجئة لي، حيث عبّر أكثر من 90% من الحضور أنها المرة الأولى التي يسمعون فيها بهذا الأمر، ولم يتعدّى العارفون به أصابع اليد الواحدة مع إقرارهم بأن معرفتهم فيه تكاد تكون سطحية جدا  (علماً بأن المؤتمر كان تخصصيا ولا يحضره إلا المتخصصين في القطاع المالي)، وقبل مغادرتي القاعة كنت قد اتفقت مع جهتين على تقديم (Seminar) مطوّل حول ذات الموضوع، بالإضافة إلى ورشة عمل ودورة متكاملة عن الموضوع ذاته.



ومنذ ذلك الحين، أصبحت أنتهز الفرص المناسبة للتطرق للموضوع أو الحديث عنه بشكل مباشر أو غير مباشر، وما زال يفاجئني اهتمام الآخرين به وتوقهم لمعرفة المزيد، كنت أرى بعينيّ ذلك البريق في عيون من أتحدّث إليهم، أشعر باهتمامهم، أستمع إلى تساؤلاتهم وأردّ عليها، ويحزّ في نفسي أن تلك الجلسات العفوية البسيطة لم تشبع فضولهم ولم تسكت نهمهم، فقررت في قرارة نفسي أن أتفرّغ للكتابة عنه بشكل مفصّل، خصوصاً وأن المراجع الأجنبية تكاد تكون شحيحة باعتباره علماً جديداً ومصطلحاً بالكاد يكمل عامه الخامس، - فما بالك بالمراجع العربية التي تصل دوماً متأخرة -، إلا أنني ورغم ذلك؛ كنت أقدّم قدماً وأؤخّر أخرى - كعادتي -، حتى نشرت الصديقة صفاء بيدق مقالاً لحيّان السيّد تطرّق فيه للموضوع بشكل عرضي: