الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

دبي، عام على الأزمة (دروس وعبر)

إذا أتتك مذمتي من ناقص ..................................... فهي الشهادة لي بأني كامل



 
...............................................................................................................


في التاسع عشر من نوفمبر 2013 انهارت بورصة كمبياسا انهيارا تاما، وفي الثامن من مارس 2016 أعلنت شركة لالابيبا إفلاسها وخسارتها لأكثر من مليار دولار، وفي الرابع والعشرون من يوليو 2017 هبطت أسعار العقارات إلى الحضيض في سمنكا مما أدى إلى انهيار العديد من البنوك وشركات الاستثمار وتضرر قطاع عريض من المواطنين والمقمين.


ما الذي حدث بعد ذلك؟ خبر صغير في إحدى الصفحات الداخلية لجريدة كرياتو وجريدة جرينجو.


...............................................................................................................


رئيس البورصة في وول ستريت يصاب بالزكام، ويغيب عن العمل اضطراريا، فتبدأ التكهنات والتوقعات حول سبب الغياب، مما يثير الرعب في أوساط البورصة، لتهبط أغلب الأسهم عند حدودها الدنيا، وتتأثر أسواق المال في جنوب شرق آسيا وشمال غرب أوروبا، وتصدر صحيفة النيويورك تايمز ملحق خاص عن تداعيات الأزمة.


عمدة لندن تصاب ابنته بمرض غامض، يضطر على إثره لعرض منزله الواقع في وسط لندن بسعر رخيص نسبيا للحصول على السيولة على وجه السرعة، فتهتز لندن لذلك الخبر وتهبط أسعار العقارات أكثر من 30 % في كافة أنحاء أوروبا، ويسحب المستثمرون أموالهم من الأسواق الغربية في أوروبا وشمال أمريكا، وتتأثر المشاريع التنموية في القارة السمراء لعجز الدول المانحة عن التمويل.


في اليوم التالي، تتصدر أخبار الأزمتين الصفحات الأولى في كبريات الصحف العالمية ، وتصدر التايمز اللندنية و الواشنطن بوست الأمريكية ملاحق خاصة حول الموضوع، وتقدم الCNN  والBBC  نشرات إخبارية على مدار الساعة لمتابعة تطورات الأحداث.


...............................................................................................................


يحق لإمارة دبي أن تفخر، بأن طلب إحدى الشركات الخاصة التي تتخذ من دبي مقرا لها تأجيل ديونها يؤدي إلى كل هذه الضجة والبلبلة، ويثير الفزع في كل أنحاء العالم، وهو الأمر الذي يدل على قوة الإمارة وأنها قد استطاعت أن تتبوأ مكانة مرموقة وتصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في أسواق المال والإقتصاد لا العكس كما يحاول أن يروج البعض.


...............................................................................................................


بعد أحداث سبتمبر 2001 تنبأ الكثيرون بانهيار الولايات المتحدة الأمريكية كنتيجة طبيعية لانهيار البرجين، وهاهي أمريكا وبعد 8 سنوات وعدة حروب مرهقة اقتصاديا ما زالت تتحكم في الاقتصاد على مستوى العالم، وما زال الدولار عملة التداول الرئيسية في كافة المعاملات التجارية الدولية مشكلا مع النفط والذهب ثالوث الاقتصاد المقدس.


أمريكا رغم إدعاء البعض بأنها مثقلة بالديون، يتجاهلون بأن العبرة ليست في حجم الدين نفسه، وإنما بما لك وما عليك، لن أجادل في حقيقة أن أمريكا هي صاحبة أكبر مديونية في العالم تتجاوز ال13 تريليون دولار، ولكنها في الوقت نفسه هي صاحبة أكبر ناتج في العالم يقدر بأكثر من 14 تريليون دولار (نسبة الديون إلى الناتج 93%)، ويعرف علماء الاقتصاد جيدا بأن هذه نسبة مثالية بأن يكون الدين الخارجي أقل قليلا من الناتج المحلي (تعتبر الجزائر صاحبة أقل نسبة في العالم حيث لا تتعدى ال3%، وهي ليست أقوى دولة اقتصادية بالطبع)، وهو ما يضع أمريكا حتى اللحظة في موقف تنافسي واقتصادي قوي متفوقة على كل دول الاتحاد الأوروبي بما فيها ألمانيا وفرنسا، وبريطانيا التي يفوق فيها الدين الخارجي إجمالي الناتج المحلي بأكثر من الضعف (178%و 236%و 408% على التوالي)، كما تستهلك أمريكا قرابة نصف إنتاج العالم من النفط الخام لتحريك عجلة الحياة على أراضيها.


أمريكا ليست برجين فقط !!!!!!


...............................................................................................................


وكذلك الحال في دبي، فدبي ليست نخلة في البحر، دبي هي نقطة التقاء الشرق والغرب، دبي هي بنية تحتية قوية وبيئة استثمار مثالية، دبي هي ملتقى رجال المال والأعمال وأرض الصفقات (تتشارك دبي مع هونغ كونغ وسنغافورة بأكبر عدد من المعارض في العام تقام على أراضيها)، دبي مدينة تجارية قبل أن تكون أرض عقارية، دبي مدينة الفرص وأرض الأحلام.


...............................................................................................................


رغم إيماننا بقدرة دبي على الصمود والارتقاء عاليا، وأن الأزمة ماهي إلا سحابة صيف ما تلبث أن تنقشع، إلا أن على المسؤولين في دبي استخلاص العبر من الأزمة، وعدم الجلوس في برج عاجي يحول دون الاستفادة من تجارب الآخرين ومن السنن الكونية، وتتلخص هذه الدروس والعبر فيما يلي:

  • إن الإصرار على التعاملات الربوية يقود المجتمعات إلى الهاوية.

  • ضرورة توجيه أغلب رؤوس الأموال الإسلامية صوب مشاريع التنمية الحقيقية (قطاع الصناعة والزراعة) وأن تكون الاستثمارات في القطاعات الأخرى (السياحة والعقار) استثمارات مكملة.

  • أهمية الاهتمام بالطبقة الوسطى، فنسبة كبيرة من ديون دبي كان سببها المشاريع العقارية الموجهة للأثرياء، وتكمن المشكلة في قلة أعدادهم وانسحابهم عند أول أزمة، ولو كانت هذه المشاريع موجهة للطبقة الوسطى لاستمرت عمليات البيع والشراء دون تأثير يذكر.

  • التحلل الأخلاقي، والتحرر والانحلال، والاستثمار في الأنشطة المحرمة (الدعارة، الخمور، القمار) لن يجلب إلا الخراب والدمار للمجتمعات الإسلامية تصديقا لقوله تعالى:


"ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"


"وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً"


"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"