السبت، 1 مايو 2010

توم في أيسلندا

يقف القط "توم" مزهوا بنفسه أمام الفأر "جيري" وهو يحمل في يده المحلول السحري، يبتسم ابتسامة خبيثة ويرمق "جيري" بنظرة احتقار، ثم يرشف الدواء بجرعة واحدة، وماهي إلا لحظات حتى يبدأ –على غير المتوقع- بالانكماش والانكماش والانكماش والانكماش، ويتضاءل حجمه فيصير كأمثال الذر أمام جيري الصغير، ويفر مذعورا يلاحقه "جيري" بشماتة، تبدأ الشاشة المربعة بعد ذلك بالتحول إلى دائرة تصغر تدريجيا معلنة انتهاء الحلقة.


مشهد محفور في ذاكرتنا من البرنامج الكرتوني الشهير، نبتسم له ونتفاعل معه، ولكن هل شعر أحدنا بما شعر به القط المغرور وهو ينكمش، هل يستطيع أحدنا أن يصف الحالة النفسية ل"توم" وهو يتقزم في لحظات ليجد نفسه فجأة بلا حول ولا قوة أمام عدوه التقليدي.


بالأمس القريب، بدأت أدرك هذا الشعور، وأحسست كم نحن بني البشر أقزام وضئيلي الحجم والتفكير أمام قدرة الله عز وجل، كم أنت مغرور يا بني آدم، ترتقي في مراتب العلم حتى تظن بنفسك أنك قد بلغت المدى، وتحاول محاكاة الانفجار الكوني العظيم في تجربة قد تكون الأكبر والأضخم في تاريخ البشرية، ولكنك تغفل عن حقيقة "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً"، تحرث الأرض برا وبحرا وجوا، وتمتلك أسباب المنعة والقوة والثراء، ثم تتكبر كأجدادك، فينفث فمك قيحا ودماً متمثلاً مقولة قارون "َإِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي".


هناك، وعلى بعد970 كيلومتر من أقرب نقطة للبر الأوروبي، في أقصى شمال غرب أوروبا، يثور بركان واحد من أصل عشرات البراكين هناك، فتصاب حركة الطيران الأوروبية بالشلل التام، وتقوم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأيرلندا وألمانيا وفنلندا والسويد والدانمارك والنرويج وإسبانيا ولاتفيا وليتوانيا واستونيا وهولندا وبلجيكا والنمسا وسلوفاكيا وبولندا والتشيك والمجر وهنغاريا وسويسرا ورومانيا وبلغاريا وتركيا وأوكرانيا وكرواتيا وصربيا بإغلاق عشرات المطارات أمام رحلات الطيران، مسببة خسائر اقتصادية تقدر ب 250 مليون دولار يوميا، وتتأثر حركة الطيران في 313 مطار حول العالم، وتم إلغاء أكثر من 95 ألف رحلة حتى الآن، ليتأثر بذلك ملايين المسافرين حول العالم، الأمر الذي دعا منظمة الطيران الدولية على الاعتراف بأن تداعيات بركان آيسلندا أسوأ بكثير من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.


سيناريو، لم يكن جيمس كاميرون قادرا على تصوره في محاولته لإخراج رائعة أخرى، وقصة لم تكن لتخطر له على بال في مساعيه الحثيثة لحماية البيئة, ولكنها  قدرة الله العظيمة التي تدهش البشر، مذكرة إياهم بأن الكون بيد الله يفعل به ما يشاء، وصدق الله العظيم إذ يقول: "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر"، "وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا".





دول تمنح تأشيراتها للجميع تيسيرا للعالقين، وأخرى تكدس الشاحنات أمامها لعدة أيام في صيف أغسطس القائظ.


دول تتساهل وتفتح حدودها وأراضيها للقادمين ببطاقة الهوية، وأخرى ترفض الهوية بسبب "شخطة قلم"


ثم نتساءل مستغربين، لماذا يتقدمون إلى الأمام، ونحن نعود إلى الخلف!!!!!!