الأحد، 22 يناير 2012

العمل الحر أم الوظيفة؟



منذ عقود خلت، ونحن نسمع بأن العمل الحر هو الطريق الأوحد نحو الغِنى والثراء، وأن المرء إذا ما أراد أن يحقق النجاح المنشود فلابد له من تقديم استقالته، وفتح شركته التجارية الخاصة أياً كان مجالها، بل إن بعضهم قد بالغ في ذلك لدرجة أن جعل من البسطة في سوق الخضروات أجدى وأكثر نفعاً من عبودية الوظيفة أياً كانت، وما زال الكثيرون من المدربين والمتخصصين في تطوير الذات والتنمية البشرية، ومعهم رواد المال والأعمال يؤمنون بهذه النظرية، ويروجون لها، ولكن السؤال الأهم هل هي صحيحة على الاطلاق؟

قد تكون هذه النظرية صحيحة وغير قابلة للنقض حتى منتصف القرن الماضي، ولكن مع بروز الشركات العابرة للقارات، وتطور قطاعات النقل والتكنولوجيا والاتصالات، فلابد لنا من وقفة لمراجعة صحة هذه النظرية على كافة المستويات.



فبنظرة سريعة إلى قوائم الفوربس للسنوات الأخيرة، نجد أن الأغلبية العظمى من الواردة أسماؤهم هم من الموظفين الكبار في الشركات العالمية، ولو سلّمنا بأن بعضهم كانوا من المؤسسين لشركاتهم ثم أصبحوا -بعد ذلك- مدراء تنفيذيين ورؤساء لمجالس الإدارة بعد نجاح شركتهم وتوسعها وطرحها للاكتتاب العام، إلا أن ذلك لا ينفي بأن البعض الآخر هم من "الموظفين" الذين يحق لمجالس الإدارات محاسبتهم وتقييمهم وفصلهم إذا اقتضى الأمر، واليوم أصبح هؤلاء "الموظفون" يزاحمون رواد العمل الحر، ومؤسسي الشركات على المقاعد الأولى في قوائم الفوربس.

ومن جانب آخر، وبنظرة سريعة لمن اختاروا العمل الحر ونجحوا فيه –في دولة الإمارات على سبيل المثال-، نجد أن الأغلبية العظمى منهم تحقق أرباحاً مالية صافية تتراوح بين الربع مليون والمليون درهم سنوياً (20000 – 80000 درهم شهرياً)، وهي عائدات مجزية بلا شك، ولكن هل بالإمكان تحقيق مثل هذه المبالغ عن طريق الوظيفة؟

المطّلعون على كشوفات الرواتب في الشركات المتوسطة والكبرى، سيجد بأن هناك المئات من الموظفين من كافة الأعمار والجنسيات في الإدارة المتوسطة والعليا يستلمون رواتب تتراوح بين ال20000 وال80000 شهرياً، بل إن البعض –خصوصاً في الشركات الكبرى- تتجاوز رواتبهم ال 100000 درهم شهريأ، إضافة إلى العلاوات والمكافآت السنوية، ولن أتحدث عن بعض المدراء والموظفين الذين تتجاوز عائداتهم هذه الأرقام بمراحل.



قد يقول قائل، بأن الحاصلين على هذه الرواتب هم فئة قليلة من الناس، وأن الأغلبية العظمى هم ممن لا تتجاوز رواتبهم بضعة آلاف من الدراهم -وهو كلام صحيح بلا شك-، ولكن في الوقت ذاته فإن العديدين ممن دخلوا مجال العمل الحر خسروا كل مدخراتهم أو على أحسن الحوال حققوا نجاحاً ضئيلاً بالكاد يسد احتياجاتهم، والقليلون هم من نجحوا في الاستمرار وتحقيق عوائد مجزية، واما الذين حققوا نجاحاً استثنائياً وأصبحوا من أصحاب الملايين فهم فئة نادرة بلا شك.

خلاصة القول، بأن النظرية القائمة على أن تحقيق النجاح والثروة لن يتم الا عن طريق العمل الحر لم تعد دقيقة، وإن هناك طريقاً آخر عبر الوصول إلى المناصب القيادية في الشركات الكبرى، وبلا شك فإن كلا الطريقين شائك، وكلاهما يتطلب وقتاً ويحتاج شيئا من الجد والمثابرة والتخطيط السليم.

ملاحظة: المقالة أعلاه هي مجرد مقدمة لمقالة أخرى تتحدث بالتفصيل عن خريطة الطريق نحو تحقيق النجاح المهني في شركات الاستشارات الإدارية والمالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق