الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

السمك الكبير يمنع الاحتطاب

بين ليلة وضحاها، أصبح خالي دكتور الاقتصاد ومستشار وزارة الاقتصاد “سابقا” للشؤون المالية  والاقتصادية أصبح كأي مواطن عادي، استيقظنا في الصباح الباكر لنجد أن الجميع بلا استثناء قد تحولوا بقدرة قادر إلى خبراء في المال والاقتصاد، يحللون وينظرون بثقة تامة عن أسباب الأزمة المالية الحالية في الداخل والخارج، نساء ورجالا، صغارا وكبارا، إنها سطوة الإعلام بأبعاده التسعة التي جعلت من الجميع خبراء ومستشارين، استقبل بريدي الالكتروني قصةسعيد أبو الحزن” الذي يعيش في “أمرستان” والتي كتبها الدكتور “أنس الحجي” عدة مرات تفوق عدد أصدقائي المسجلين لدي!!!!! والأجمل من ذلك أن كثيرين منهم يذيلون المقال بأرائهم ووجهة نظرهم الخاصة، رغم أن كثيرين لم يفهموا من القصة إلا بدايتها، ولذا فاني سأعطي لنفسي الحق التحدث في المجال الاقتصادي وان كان من زاوية أخرى تماما، فنادلة المطعم التي أخذت تحاورني وتتحدث إلي بحماس شديد عن الأزمة ليست أفضل مني


قالوا قديما “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”، وكان الرسول –عليه الصلاة والسلام- إذا رأى سائلا وجهه إلى العمل، ودعاه أن يذهب فيحتطب ويبيع خيرا له من سؤال الناس، أعطوه أم منعوه، ولكن ما نراه حولنا من واقع وتشريعات وقوانين يجعل ذلك ضربا من المستحيل، فلا مكان للأسماك الصغيرة، قبل عقد مضى من الزمن كان هناك عشرات الآلاف من البقالات الصغيرة والسوبرماركت تحقق لأصحابها وعائلاتهم أرباحا تكفل لهم حياة كريمة، أما اليوم فقد استأثرت محلات الهايبرماركت كالكافور واللؤلؤ والجمعيات اللاتعاونية (هناك استثناءات) بكل شيء وتركت فتات الفتات للبقالات التي لا تكاد مبيعات الخبز والألبان تفي بمتطلباتهم، وأصبح الشيبس هو سلعتهم الإستراتيجية التي تحقق لهم الأرباح


قبل عقد من الزمن كانت الشوارع تعج بسيارات الأجرة التي يديرها أصحابها بأنفسهم من المواطنين والمقيمين وينفقون من دخلها على أسرهم، أما اليوم فقد أكلت حفنة من الأسماك الكبيرة من شركات النقل الكبرى كل شيء وحولت أرباب السيارات إلى سائقين يعملون عندها ويكدون ليل نهار لتلقي إليهم بالفتات آخر الشهر، لتتحول كل الأرباح إلى جيوب عدة هوامير ويأخذ السائق ما بالكاد يسد رمقه فقط، وكل ذلك بحجة تنظيم القطاع!!!!!


قبل عقد من الزمان، كان الواحد فينا إن ضاقت به الأرض نزل إلى البحر، وألقى بشبكته ليعود إلى أهله حاملا لهم ما أكرمه الله به من الرزق فيبيع ما يشتري به حاجات البيت ويعود بالباقي ليطعم عياله، اليوم لا يملك الواحد منا أن يبيع سمكة دون أخذ تصريح وترخيص ومحل وكفيل ووووووو........الخ، ولا فرق في ذلك بين مواطن ومقيم.


قبل عقد من الزمان كانت هنالك عشرات الشركات السياحية التي تصدر التذاكر، قريبا وقريبا جدا ستختفي هذه الشركات، فبين الكواليس يتم التحضير لإنشاء شركة كبرى “مدعومة” تأكل كل الأسماك الصغيرة من الشركات السياحية ليصبح أصحاب هذه الشركات مجرد موظفون عاديون يستلمون رواتبهم من السمكة الكبيرة “سياحة” أو “تذكرة” أو “مضيفة” أو أي اسم آخر يتفقون عليه عند إنشاء الشركة الهامور.


قبل عقد من الزمان كانت بعض الأسر المعوزة ترسل ببناتها إلى البيوت كخادمات أو كمربيات للحصول على لقمة العيش، وكان أبناء بعض الأسر يعرضون خدماتهم على المؤسسات والشركات في شتى الوظائف للمساعدة في تسيير شؤون المنزل الكبير، لم يكن هناك من مانع أن يذهب المحتاج أو الفقير إلى الصحراء “فيحتطب” ويجمع الرمال، لينقلها إلى أحد مواقع الإنشاء فيبيعها بثمن بخس يكون كافيا لحفظ كرامته عن سؤال الناس، اليوم إن اكتشف الموظف المسؤول ذلك، فواجبه يحتم عليه أن يفرض غرامة لا تستطيع الخادمة أن تدفعها ولو باعت كل ما تملك هي وعشيرتها والعشائر المجاورة.


الشركات الكبرى أصبحت تسيطر على كل شيء، ومما هو مؤسف أننا كأفراد ومؤسسات خاصة وحكومية ندعمها دون أن ندري وعلى حساب السمك الصغير، وكما يذكر الخبير الاقتصادي اللبناني الأصل نسيم نيكولا في كتابهالعشوائية المتوحشة” والذي ترجم إلى أكثر من 23 لغة أن التجارة أو العمل الحر لم يعد يجدي نفعا، وأنه خير للمرء أن يكون مديرا تنفيذيا في إحدى كبريات الشركات العالمية ليتربع على قائمة أغنى أغنياء العالم، ونظرة واحدة إلى قائمة “فوربسستكشف أن أغلبهم بالفعل هم مدراء تنفيذيون، وقد كشفت الأزمة المالية الأخيرة عن ذلك بوضوح، فما يتقاضاه أحدهم في شهر قد يفوق ما يتقاضاه باقي الموظفين في سنة.


نحن لسنا ضد التنظيم والتنسيق، ولكن يجب أن يكون بعد أخذ الرأي والمشورة من كافة الأطراف المعنية، ومراعاة لمصلحة الجميع، دون تغليب مصلحة طرف على آخر، وأن تكون القوانين والتشريعات متكاملة مع ما حولها، فلا يعقل أن أمنع نقل الركاب قبل أن يكون هناك مواصلات عامة كافية وتغطي كافة المناطق، ولا يصح أن أمنع الإنسان من صيد البحر وهو الذي تحدث عنه الله عز وجل في كتابه كأحد أهم أوسع وأشمل أبواب الرزق، ولا يحق لنا أن نمنع إنسانا من العمل بعرق يده لمجرد أنه لا يملك تصريحا بذلك، أتمنى ألا نصبح كالغراب الذي أراد أن يقلد مشية الطاووس، فلا هو أتقنها، ولا هو استطاع أن يعود إلى مشيته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق