الثلاثاء، 10 يناير 2012

الاقتصاد الاسلامي - دعوة للتغيير

منذ الطفولة، ونحن نرضع الفقه الاسلامي من كتب التراث ونقولات السابقين، فيما يخص جميع عباداتنا ومعاملاتنا، خصوصاً وأننا نعيش في بيئة عربية اسلامية تقدس الماضي، وتكن احتراماً كبيراً لرموزها الدينية، ولمدارسها الفقهية.

وحين خرجت تلك المدرسة التي تقول أننا رجال وهم رجال –في إشارة إلى المذاهب الأربعة-، وتدعو إلى اصدار الأحكام واطلاق الفتاوي بالنظر إلى النصوص فقط هاجت الدنيا وماجت بحكم أن السابقون كانوا قريبي عهد بعصر النبوة، وبالتالي كانو أكثر مقدرة على معرفة الحكم الشرعي الصحيح واستنباط الأحكام، وهو أمر منطقي ومقبول فيما يخص العبادات من صيام وصلاة، والتي لا تختلف ولا تتغير بتغير الزمان والمكان الا في فروع بسيطة.

ولكن الأمر يختلف اختلافاً جذرياً في مجالات أخرى كالنظام الاقتصادي والسياسي في الاسلام، فما كان يحدث في عصر النبوة ومابعدها، يكاد يكون منفصلاً عما يحدث اليوم في عالم توسعت فيه البلاد وتكاثر العباد، وهو ما دعا الكثيرين للدعوة إلى إعادة كتابة الفقه السياسي وصياغة الفكر السياسي الاسلامي من جديد بناءً على الأصول العامة والنصوص الشرعية من القرآن والسنة فقط دون الرجوع إلى نقولات العلماء وكتب التراث الا للاستئناس.

وإذا كان الكثير من رموز الفكر الاسلامي اليوم قد آمنوا بضرورة إعادة النظر فيما ذكرناه آنفاً فيما يخص الفقه السياسي، الا أن الأمر لا يكاد ينطبق على الفقه الاقتصادي، رغم أني أجد أن الاختلاف بين الأمس واليوم في المجال الاقتصادي والمالي أكثر اتساعاً، وأشد تبايناً.

فعلى سبيل المثال، اختفى نظام المقايضة والمبادلة من الأسواق، وأصبحت الغلبة للعملات كوسيط للتبادل التجاري، كما أن دور الذهب والفضة –العمود الفقري في النظام المالي قديماً- انحسر بشكل كبير، وانتقل التنافس إلى الدولار واليورو والين، وبنظرة خاطفة إلى الأسواق نجد أمور ما كانت لتخطر على بال الفقهاء من الرعيل الأول كالتحويلات البنكية العابرة للقارات، والتداول الالكتروني، وسوق الأسهم، التجارة الالكترونية، إضافة إلى النظام البنكي برمته.

ولا يقتصر الأمر في النظام الاقتصادي في الاسلام على النظام المالي لوحده، ولكنه يتسع ليشمل نظام الوقف، وأحكام الزكاة، وأحكام المعاملات في البيع والشراء، والوكالة والإجارة، والزراعة والصناعة، والسياحة والخدمات، وهي الأمور التي طرأت عليها تغييرات جذرية من كافة النواحي، والأمثلة أكثر من أن تُحصى.

ومما يؤسف له أن الأغلبية العظمى من الباحثين والمفكرين في الاقتصاد الاسلامي ما زالوا يتمسكون بنقولات العلماء وكتب التراث، وكثيراً ما يبنون أحكامهم عليها، فيقيسون على ما قاله شيوخ المذاهب الأربعة، ويحاولون ليّ المعاملة المعاصرة ليستقيم القياس مع مسألة مشابهة حدثت في عصر الأوّلين – وهي أبعد ما تكون عن التشابه –، ومما يؤسف له أيضاً أن نجد مدارس الاقتصاد الاسلامي في شتى المعاهد والكليات تقوم بالتركيز على تدريس الفقه الاقتصادي وأحكام المعاملات من كتب التراث والمذاهب الأربعة على حساب أصول الفقه وطرق استنباط الأحكام.

نحن لا ندعو إلى الاستغناء عن تراثنا الاسلامي، ولكننا ندعو إلى الرجوع إلى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، والتي جاء بها الوحي فهي أصول عامة صالحة لكل زمان ومكان، دون محاولة الرجوع إلى نقولات العلماء الذين كان فهمهم بناء على ما شاهدوه في عصرهم من معاملات بين الناس –قبل أن يعرف الناس وسائل الاتصال الحديثة من تكنولوجيا وكمبيوتر واتصالات بألف عام-، كما ندعو للاهتمام بتدريب وتعليم المهتمين بدراسة الاقتصاد الاسلامي على أصول الفقه وطرق استنباط الأحكام أكثر من الاهتمام بالاطلاع على أحكام وصور لمعاملات لم يعد لها وجود في عصرنا الحاضر.

أتمنى أن أشهد اليوم الذي أجد فيه رجالات الفكر الاقتصادي في الاسلام قد حذوا حذوا رفقائهم في المجال السياسي، ونفضوا غبار الماضي، وأعادو كتابة فقههم بما يتناسب مع عالم اليوم الذي أستطيع فيه بكبسة زر أن أشتري حذاء لابنتي من متجر في أوكلاهوما وأدفع ثمنه من البطاقة الائتمانية لصديقي المتواجد في لندن.

هناك تعليقان (2):

  1. مقال جميل..
    أرى أن الدعوة لاقتصاد إسلامي معاصر سلاح ذو حدين .. فكما أنها دعوة مشروعة ومطلوبة لواكبة العصر ، فقد كانت كذلك مدخلاً لتفريغ النظام الاقتصادي الإسلامي من مضمونه وتحويله في بعض الأحيان لمجرد بدلة أنيقة ترتديها مؤسسة مصرفية لا تختلف عن غيرها من المؤسسات التقليدية في شيء.
    الفيصل هنا في رأيي سلامة النية وإسناد الأمر لأهله من العالمين بالفقه والاقتصاد معاً ، ولعل الانتشار الحالي لتخصصات الاقتصاد الإسلامي في الجامعات يعين على هذا

    ردحذف
  2. مثنى الجبوري8 أغسطس 2012 في 3:12 م

    من روائع الشريعه انها جاءت لتحقيق مصالح العباد والاقتصاد من اهم المفاصل المعنيه بتحقيق هذه المصالح واليوم لا يمكن تحقيق مصالح العباد الا اذا كان فكرنا الاقتصادي يفكر وفق امكانيات القرن الواحد والعشرين ان لم نقل امكانيات التطور اليومي فضلا عن المستقبلي للعالم اليوم وجميع هذه التطورات مردها الى الاقتصاد وفكره في التعاطي مع هذه الثوره من التطور بل قل الثروات من التطور،

    ليعلم الجميع اننا يجب ان ننطلق وفق رؤيه للاقتصاد الاسلامي تتناسب مع عالمية الرساله في كل المجالات

    ردحذف